وأولمب تيبولو الطافي في هدوء، وابتسامات مدام دبومبادور وأروابها وخزفها. وهي في عمومها موسيقى هادئة صافية، تشوبها بين الحين والحين لمسات من الألم والغضب، ولكنها لا ترفع صلاة متذللة ولا تحدياً بروميثياً للآلهة. لقد بدأ موتسارت موسيقاه في طفولته، وكانت تكمن في مؤلفاته خصيصة طفلية حتى اتضح له أن القداس الجنائزي الذي كان يكتبه لرجل غربياً كان قداساً لجنازته هو.
[٧ - الروح والجسد]
لم يوهب موتسارت فتنة الجسد. فقد كان قصير القامة، رأسه أكبر مما يناسب جسمه، وأنفه اضخم من أن يلائم وجهه، وشفته العليا راكبة على السفلى، وحاجباه الكثيفان يحجبان عيناه القلقتين، لا يروع الناظر إليه غير شعره الأشقر الغزير. وفي سني عمره اللاحقة حاول التعويض عن عيوب قامته وقسماته باللباس البهي: قميص من الدنتلا، وسترة زرقاء، ذات ذيول، وأزرار ذهبية وسراويل تصل إلى الركبة ومشابك فضية فوق حذائه (٥٦). ولم يكن الناظر إليه ينسى مظهره إلا وهو يعزف على البيانو، عندها تضطرم عيناه بالتركيز الشديد، وتخضع كل عضلة في بدنه نفسها لحركة ذهنه ويديه.
وكان في صباه متواضعاً طيب القلب، واثقاً بالناس محباً لهم، ولكن ما ظفر به من شهرة مبكرة، وما اغتذى عليه كل يوم تقريباً من التصفيق والاستحسان، أحدث عيوباً في خلقه. وقد حذره ليوبولد (١٧٧٨) قائلاً "إنك يا بني سريع الغضب مندفع … شديد التحفز للرد في لهجة ساخرة على أول تحد"(٥٧). واعترف موتسارت بهذا وبأكثر منه. فكتب يقول "لابد أن انتقم لنفسي إن أساء إنسان، فإذا لم أرد لعدوي الصاع صاعين أراني إنما جازيته صاعاً بصاع ولم أعاقبه"(٥٨). ثم كان أشد الناس غلواً في تقدير عبقريته. "إن الأمير كاونتز أخبر الأرشيدوق بأن أمثالي لا يجود بهم الزمان إلا مرة كل مائة عام (٥٩).