للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الخاتمة]

الفصل الأول

لِمَ سقطت روما؟

يقول أحد العلماء النابهين في هذه الأيام "إن أعظم ما يواجه التاريخ من مشاكل مشكلتان. أولهما كيف نفسر قيام الدولة الرومانية، وثانيتهما كيف نفسر سقوطها" (١). ولعلنا نقرب من فهم هاتين المشكلتين إذا تذكرنا أن سقوط روما كقيامها لا يعزى إلى سبب واحد بل إلى كثير من الأسباب، وإن هذا السقوط لم يكن حادثاً واحداً بل كان عملية امتدت إلى أكثر من ثلاثمائة عام. والحق أن ثمة أمماً لم تدم حياتها بقدر ما استلزمه من الزمن سقوط روما.

والحضارة العظيمة لا يقضى عليها من الخارج إلا بعد أن تقضي هي على نفسها من الداخل. وشاهد ذلك أنا نجد الأسباب الجوهرية لسقوط روما في شعب روما نفسه، أي في أخلاقها، وفي النزاع بين طبقاتها، وفي كساد تجارتها، وفي حكومتها الاستبدادية البيروقراطية، وفي ضرائبها الفادحة الخانقة وحروبها المهلكة. ولقد كان الكتّاب المسيحيون شديدي الإدراك لهذا الضعف المتعدد الأسباب، فلقد بشر ترتليان حوالي عام ٢٠٠، وهو جذلان، بما سماه ipsa clusula caeculi أي "نهاية عهد" - معتقداً أنه في أغلب الظن مقدمة لدمار العالم الوثني. ورد سبريان قبيل عام ٢٥٠ على ما اتهم به المسيحيون من أنهم أصل ما حاق بالإمبراطوريّة من محن بأن هذه المحن ترجع إلى أسباب طبيعية: