نتصور ذلك الكدح الطويل، والمحن الشداد التي دامت عدة قرون، والتي حطمت ظهور الرجال وقلوبهم، والتي سخرت المواد الغفل التي تخرجها الطبيعة السخية على كره، ووضعت بها الأسس الاقتصادية لحياتها الحاضرة.
وكانت النساء أيضاً مجندات في تلك الحرب العوان، فقد كان خصبهن وصبرهن على إنجاب الأبناء وتربيتهم هما اللذين ذللا الأرض. وحارب الرهبان وقتاً ما، ولم يكونوا في حربهم أقل بسالة من غيرهم، فقد أقاموا أديرتهم مراقب أمامية في الفقار، وأنشئوا من الفوضى نظاماً اقتصادياً، وبنوا القرى في البراري، وبفضل هذه الجهود كلها رفرف علم الحضارة على ربوع أوربا في نهاية العصور الوسطى بعد أن كان الجزء الأكبر من أرضها في بداية تلك العصور أرضين غير منزرعة، وغابات خالية من السكان، وبراري مقفرة، ولعل هذا العمل، إذا نظرنا إليه النظرة الصحيحة، هو أشد كفاح، وأنبل نصر، وأعظم عمل تم في عصر الإيمان.
[٤ - المالك]
في كل نظام اقتصادي يسيطر الرجال الذين يستطيعون السيطرة على أولئك الذين لا يستطيعونها إلا على الجماد. وكان المسيطر على الرجال في أوربا الإقطاعية هو السيد مالك-وهو باللغة اللاتينية dominus، وبالفرنسية seigneur، وبالرومانية senior وبالألمانية Hetr، وبالإنجليزية lord (أي السيد) وكانت أعماله تنقسم ثلاثة أقسام: أن يوفي وسائل الدفاع العسكري عن أراضيه وسكانها؛ وأن ينظم شئون الزراعة والصناعة والتجارة في تلك الأراضي، وأن يخدم سيده الأكبر أو مليكه في الحرب. ولم يكن المجتمع قادراً على البقاء في هذا النظام الاقتصادي الذي تحطم إلى عناصره الأولى وتمزق لطول عهده بالهجرة، والغارات، والنهب، والحروب - لم يكن المجتمع قادراً على البقاء في هذا النظام