إضعاف أسبانيا الهولنديين على نيل استقلالها، وارتقى بهنري الرابع إلى عرش فرنسا، وفتح أمريكا الشمالية أمام المستعمرات الإنجليزية. وبقيت البروتستانتية وقويت. وتضاءل شأن الكثلكة. وكف جيمس السادس ملك إسكتلندة عن مصادقة البابوات ومجاملتهم. ولو أن الأرمادا بنى بطريقة احكم، وسارت قيادته على وجه أكمل، فلربما كانت الكاثوليكية قد استعادت إنجلترا، وسادت أسرة جيز في فرنسا. وخضعت هولندة، ولم يظهر قط شكسبير وبيكون وهما رمزان لإنجلترا الظافرة وثمرتان من نتاجها، ولربما كان على النشوة الغامرة في عهد إليزابث أن تواجه محكمة التفتيش الأسبانية. وهكذا تحدد الحروب مصير اللاهوت والفلسفة، كما أن القدرة على القتل والتدمير شرط أساسي للحصول على ترخيص بالحياة والبناء.
[١٠ - رالي واسكس]
على الرغم من أن سيسل وولنسهام ودريك وهوكنز كانوا الأدوات المباشرة للمجد والنصر، إلا أن إليزابث هي التي تجسدت فيها إنجلترا الظافرة المنتصرة، وكانت هي في سن الستين في ذروة الشهرة والقوة والسلطان، وتجعد وجهها قليلاً، وتساقط شعرها، وفقدت أسنانها، وأسود البعض الأخر، ولكنها في مجوهراتها التي تبعث الرهبة في النفوس، من غطاء الرأس المخرم وطوق الرقبة المكشكش المهفهف، والأكمام المحشوة، والتنورة المطوقة وكلها تتألق بالجواهر واللآلئ، وقفت مزهوة رافعة الرأس، ملكة بلا منازع. وتذمر البرلمان من أساليبها الملكية ولكنه خضع واستسلم، وقدم المستشارون القدامى نصائحهم في رعدة الشباب الغض الذي يطلب يد المرأة، ولكن الطلاب الشبان الذين انطلقت ألسنتهم بالتمجيد والتسبيح أحاطوا بالعرش. وقضى لستر وولسنهام نحبهما، وسرعان ما يبتلع البحر دريك وهوكنز، وقد ظنا أنهما سيحكمانه. أما سيسل الذي أطلق عليه بيكون (١٠٧) "نصف الإله الذي يحمل السماء على كتفيه Atlas في هذه الدولة"، فقد كبرت الآن سنه، وكان يئن ويذبل بداء النقرس، وكان على إليزابث الآن أن تتولى تمريضه في مرضه الأخير وتطعمه لقيماته الأخيرة بيديها (١٠٨) واعتراها الحزن لفقدان