ذلك أن الحرية والاسترقاق لم يكن لهما شأن يُذكر إذا كان العالم قريباً من نهايته. ولهذا السبب عينه لم يكن للحرية القومية شأن كبير "لتخضع كل نفس للسلاطين القائمة، لأنه ليس سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله"(٦٠). لقد كان خليقاً بروما ألا تقضي على فيلسوف مجامل طيّع إلى هذا الحد.
[٤ - الشهيد]
تقول الرسالة الثانية المشكوك فيها والموجهة إلى تيموثاوس:"بادر أن تجيء إلي سريعاً لأن ديماس قد تركني، إذ أحب العالم الحاضر … وكريسكيس وتيطس … لوقا وحده معي … في احتجاجي الأول لم يحضر أحد معي، بل الجميع تركوني … لكن الرب وقف معي وقواني لكي تتم بي الكرازة ويسمع جميع الأمم، فأُنقذت من فم الأسد. فإني أنا الآن أسكب سكيباً ووقت انحلالي قد حضر. قد جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان (٦٦).
لقد كان في حديثه شجاعاً جريئاً. وتقول إحدى الروايات القديمة إنه أطلق من السجن، وإنه سافر إلى آسية وأسبانيا، وعاد منهما إلى الدعوة، وألفى نفسه مرة أخرى سجيناً في رومة. ولكن أكبر الظن أنه لم يُحَرر. لقد كان بلا زوجه تؤنسه أو ولد يسليه، وقد فارقه جميع أصدقائه إلا واحداً، فلم يبقَ له نصير إلا إيمانه القوي؛ ولعل هذا الإيمان أيضاً قد تزعزع. ولقد كان يعيش كما يعيش غيره من المسيحيين في ذلك العصر مؤملاً أن يشهد عودة المسيح، وكان قد كتب إلى أهل فلبي يقول: "ننتظر مخلّصاً هو الرب يسوع المسيح … الرب قريب"، وقل إلى أهل كورنثة: "الوقت منذ الآن مقصر لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم … والذين يشترون كأنهم لا يملكون … لأن هيئة هذا العالم تزول … ماران أثا، المسيح معكم" (٦٨). لكنه في رسالته الثانية لأهل