كان اصطدام الفيزياء والكيمياء بالعقيدة القديمة أقل ظهوراً من اصطدام الجغرافيا والأحياء بها، لأنهما تتناولان الجوامد والسوائل والغازات التي تبدو أنها لا علاقة لها باللاهوت، ولكن تقدم العلم-حتى في ذلك المضمار المادي-كان ينشر حكم القانون ويضعف الإيمان بالمعجزات. واعتمدت دراسة الفيزياء على الحاجات التجارية والصناعية لا على الاهتمامات الفلسفية.
وبعد أن أقنع الملاحون الفلكيين برسم خرائط للسماء بدقة أكثر، عرضوا الآن المكافآت على من يضع ساعة تعين على إيجاد خط الطول رغم اضطرابات البحر. وكان في الإمكان تحديد خط الطول في البحر بمقارنة لحظة شروق الشمس أو الزوال بالزمن الذي تظهره في تلك اللحظة ساعة ضبطت على وقت جرينتش أو باريس، ولكن ما لم تكن الساعة دقيقة فإن الحساب يخطئ خطأً خطراً. وفي ١٦٧٥ توصل هويجنز إلى صنع ساعة يعتمد عليها بوصل بندول بترس شاكوش مسنن، ولكن ساعة كهذه عديمة النفع في مركب يعلو ويهبط (١). وبعد محاولات كثيرة، ركب هويجنز ساعة بحرية ناجحة بإحلاله محل البندول ترس توازن يديره زنبركان. وكانت الفكرة من بين الاقتراحات المنيرة التي فصلها في كتاب من عيون العلم الحديث "ساعة البندول"، وقد نشره في باريس عام ١٦٧٣. وبعد ثلاث سنوات اخترع هوك شاكوش الساعات الكبيرة المثبت، واستعمل الزنبرك اللولبي على ترس توازن الساعات، وشرح حركة الزنبرك على أساس مبدأ "كما يكون الشد تكون القوة" وما زال هذا يسمى قانون هوك. وأمكن الآن أن تصنع ساعات الجيب صناعة أكفأ وأرخص من ذي قبل.
وقد درس هويجنز في كتاب "ساعة البندول Horologium
(١) رسم ليوناردو دافتشي حوالي عام ١٥٠٠ رسوماً لبندول وشاكوش ساعة ووضع جاليليو بعض قوانين البندول، وتصور فكرة ساعة البندول في ١٦٤١، ولكنه مات قبل أن يطبق الفكرة عملياً. وفي ١٦٥٦ صنع كاميريني ساعة صغيرة ببندول قبل هويجنز ببضعة شهور قط.