ترجع أهمية هذا الكتاب إلى أنه يتناول "موضوعا" حيا مع أنه تاريخي، فلا زالت أصداؤه تترى، ومثل هذه الموضوعات التي لا تزال متفاعلةً مؤثرة في حاجة إلى كاتب عركته الأيام، وتأَمل فأغرق في التأمل ليخلص بالعبر والنتائج الصحيحة، وقد بدأ ول ديورانت - وزوجته - تأليف هذا الكتاب وقد تجاوز السبعين من عمره، بعد أن لاحظ - على حد تعبيره - أن الحصادة التي تحصد الناس قد تأخرت فلم "تحصده"،
وأن من غير الحكمة أن يجلس عاطلاً مكتئبا بلا عمل، فعكف مع زوجته على تأليف هذا الكتاب عن عصر نابليون، وجعل قسمه الأول عن الثورة الفرنسية، وهذا بعينه ما يضيف قيمة أخرى للكتاب ففي هذه المرحلة من العمر لا يكون المرء متهورا متسرعا، وإلا فمن غير ول ديورانت يقول لنا إن المساواة المطلقة بين الناس حلم غير قابل للتحقيق، وأقصى ما يمكن أن نصل إليه هو:"مساواتهم أمام القانون"؟ وهل نتوقع من ديورانت ابن السبعين إلا أن يقول إن مَبْدَأيْ الحرية والمساواة، مبدءان متناقضان بحكم الضرورة، فبمجرد إطلاق العنان للحرية، سيكون هناك "السابق" و"المتخلف" ومن يقع مغشيا عليه في أثناء السباق، ومن سيستطيع بالجهد والعرق أو بالغش والخداع أو بكل ذلك أن يصبح ثريا، ومن ستعوزه القدرة فيكون دون ذلك،
وإذا كان لا بد من التطبيق الحرفي للمساواة، فإن هذا يعنى قمع الحرية ويضرب أمثلة بالنظم الفاشستية التي قمعت الحرية ولم تستطع - مع ذلك - فرض المساواة المطلقة، لكنه مع هذا يشير إلى وقائع تاريخية تحتم ضرورة التكافل الاجتماعي وإحداث التوازن من خلال نظم ضريبية عادلة. إنه يشير إلى ملكيات دستورية، وحركات ديمقراطية، ومحاولات شيوعية، ويرى - بحق - أن الثورة الفرنسية كانت عدّة ثورات متداخلة وليست ثورة واحدة مما يطالعه القارئ في ثنايا هذا التاريخ الممتع.
ومن غير ديورانت الذي نيف على السبعين وهو يكتب سطور هذا الكتاب، يقول لنا: إن كل محاولات إبعاد الدين، وإحلال "عناصر طبيعية" مكانه لضبط السلوك البشرى قد باءت - عبر التاريخ - بالفشل، فالقانون وحده لا يكفي لضبط هذا الحيوان الناطق، وإنما لا بد من يقين إيماني بوجود إله يرى كل شيء ويسمع كل شيء، ويعاقب على السيئة، ويثيب على الحسنة، وهو الأمر الذي انتهى إليه