ترى إلى أي حد حاولت الحكومة في عهد الإمبراطورية أن تسيطر على الحياة الاقتصادية؟ لقد حاولت أن تعيد ملكية الأرض إلى الفلاحين، ولكنها عجزت عن ذلك إلى حد كبير. ولقد كان الأباطرة في هذه الناحية أكثر استنارة من مجلس الشيوخ لأن هذا المجلس كان خاضعاً لسيطرة أصحاب الضياع الكبيرة. وأراد دومتيان أن يشجع زراعة الحبوب في إيطاليا ولكنه لم يفلح فيما كان يرمي إليه، ولهذا كانت إيطاليا على الدوام تخشى الهلاك جوعاً. وأرغم فسبازيان مجلس الشيوخ على أن يرضى به إمبراطوراً بسيطرته على مصر وكانت وقتئذ مصدر القمح الذي تحتاجه إيطاليا، وأراد سبتميوس أن يحذو حذوه باستيلائه على شمالي أفريقية. وكان على الدولة ان تضمن استيراد الحبوب إلى إيطاليا وتوزيعها، وقد اضطرها هذا إلى أن تشرف بنفسها على الاستيراد والتوزيع. وكانت تمنح بعض الامتيازات للتجار الذين يستوردون الحبوب إلى إيطاليا وقد ضمن لهم كلوديوس أن يعوضهم مما عساهم أن يتعرضوا له من الخسارة؛ وأعفى نيرون سفنهم من ضريبة الأملاك، وكان تأخر سفن أسطول الحبوب عن الوصول في موعدها أو تحطمها هو السبب الوحيد الذي يدفع الشعب الروماني إلى شق عصا الطاعة.
وكانت السياسة الاقتصادية الرومانية تسير على مبدأ التخلي Laissez faire مع استتثناء امتلاك الدولة للمناجم ومقالع الأحجار، ومصايد السمك، ورواسب الملح، ومساحات واسعة من الأرض المنزرعة (٨٦). وكانت الفيالق الرومانية تصنع الآجر والقرميد اللازمين لمبانيها، وكثيراً ما كانا