لقد فحصنا فكر فرنسا عشية الثورة-فحصنا فلسفتها، ودينها، وأخلاقها، وسلوكها، وأدبها، وفنها. ولكن هذه كانت أزهاراً هشة نبتت من أرض اقتصادية، ولا قدرة لنا على فهمها إن لم نلم بجذورها، لا لب إننا لن نفهم حقيقة ذلك الزلزال الأساسي الذي أطاح بـ "النظام القديم" دون ان نفحص كل جهاز كم أجهزة الاقتصاد الفرنسي، كل بدوره ولو في إيجاز، ونرى كيف عاونت حالته على مجيء هذه القارعة الكبرى.
وعلينا ونحن نعود مرة أخرى إلى تناول الزراعة والصناعة والمالية أن نتذكر أنها ليست لوحات تجريدية قابضة للصدر بل كائنات بشرية حية حساسة. نبلاء وفلاحون ينظمون إنتاج الطعام؛ وميرون وعمال يصنعون السلع؛ ومخترعون وعلماء يصوغون طرائق وأدوات جديدة؛ ومدن تشغى بالمتاجر والمصانع، وربات بيوت مهمومات وجماهير رعاع متمردة؛ وثغور ومراكب تزخر بالتجار، والملاحين، والبحارة، والرجال المغمرين؛ ومصرفيون يغامرون بالمال ويكسبونه ويخسرونه مثل نكير، وبالحياة مثل لافوازييه؛ ثم تدفق الأفكار والسخط الثوريين وضغطهما خلال هذا الكل الهائج المضطرب، أنها لصورة معقدة رهيبة.
[١ - النبلاء والثورة]
كان عدد الفرنسيين ٢٤.٦٧٠.٠٠٠ رجل وامرأة وطفل، وهكذا قدر نكير عدد السكان في ١٧٨٤ (١). فقد تصاعد عددهم من ١٧.٠٠٠.٠٠٠