بالقوة والجزالة، وتنبض بالرجولة، التي تتميز بها شخصيته، ولم يكتفِ العابدون بترتيل هذه الأناشيد وغيرها من أمثالها البروتستانتية، وإنما دعوا إلى إجراء تجارب عليها في غضون الأسبوع، ورتلتها عائلات كثيرة في البيوت. وقال أحد رجال الدين من اليسوعيين الذين أزعجهم هذا الأمر "إن أناشيد لوثر قضت على الأرواح (أخرجتها من دينها) أكثر مما فعلت عظاته"(٢٦)، وارتقت الموسيقى البروتستانتية لتنافس التصوير الكاثوليكي في عصر النهضة.
[٣ - أسد فيتنبرج]
١٥٣٦ - ٤٦
لم يشترك لوثر مباشرة في المؤتمرات السلمية في سنوات الأفول هذه، وأصبح الأمراء لا المشتغلون باللاهوت زعماء البروتستانت وقتذاك، لأن مواضيع النزاع كانت تدور حول الملكية والسلطان، أكثر مما تدور حول العقيدة والشعيرة. ولم يخلق لوثر للمفاوضة، وكان قد تقدم في السن، فلم يعد قادراً على الكفاح بأسلحة أخرى غير العلم. ووصفه رسول بابوي عام ١٥٣٥، بأنه مازال قوياً، يميل إلى المزاح (كان أول سؤال وجهه إلي هو هل سمعت الخبر، الذي يتردد في إيطاليا، وهو أني سكير ألماني)(٢٧)، ولكن هيكله المديد كان مأوى لكثير من الأمراض - سوء هضم وأرق ودوار ومغص وحصوات في الكليتين ودمامل في الأذنين وقرحات وداء النقرس وروماتزم وعرق النسا وخفقان في القلب. واعتاد أن يجرع الخمر ليخدر إحساسه بالالم، ويستعين بها على النوم، وجرب جرعات من عقاقير وصفها له الأطباء، وعكف على الصلاة ضجراً، واشتدت عليه الأسقام، وخيل إليه في عام ١٥٣٧ أنه سيموت متأثراً بداء الحصوة، فأصدر إنذاراً نهائياً للرب قال فيه:"إذا استمر هذا الألم يعصرني أكثر من هذا فإني سوف أجن وأعجز عن إدراك رحمتك"(٢٨). وكان مزاجه المتدهور يعكس، بعض الشيء، ما يقاسيه من آلام. وانصرف