لقد نسي التاريخ حروب جستنيان، وحق له أن ينساها، ولا يذكر اسمه إلا مقترناً بقوانينه. وكان قد مضى قرن من الزمان منذ نشر قانون ثيودوسيوس، وأضحت كثير من أصوله عتيقة لا تطبق لتغير الظروف التي شرعت فيها، وسنت قوانين جديدة كثيرة اختلطت بعضها ببعض في كتب القوانين، ووجد تناقض كثيرين بعض القوانين والبعض الآخر عاق أعمال المحاكم والسلطة التنفيذية. يضاف إلى هذا أن تأثير المسيحية قد بدل كثيراً من الشرائع وغير تفسيرها. ثم إن قوانين روما المدنية كثيراً ما كانت تتعارض مع قوانين الأمم التي تتألف منها الإمبراطورية، وإن كثيراً من التشريعات لم تكن تتفق مع تقاليد الشرق المصطبغ بالصبغة اليونانية. وقصارى القول أن شريعة روما كلها أضحت أكداساً من المواد القانونية التجريبية لا قانوناً منطقياً واحداً.
ولم يكن جستنيان، وهو صاحب النزعة القوية إلى الوحدة، ليرضى عن هذه الفوضى كما لم يكن يرضى عن تمزيق أوصال الإمبراطورية. ولهذا عين في عام ٥٢٨ عشرة من فقهاء القانون لينظموا قوانين الدولة، ويوضحوها، ويصلحوها. وكان أكثر أعضاء هذه اللجنة نشاطاً ونفوذاً هو الكوستر تريبونيان Tribonian الذي ظل إلى أن مات أشهر الموحين بخطط جستنيان التشريعية، والناصحين له، والمنفذين لآرائه، وذلك رغم حرصه الشديد على المال ومظنة الكفر بالله. وأممت اللجنة الجزء الأول من عملها بسرعة أكثر مما كان خليقاً بها، وأصدرته في عام ٥٢٩ باسم القانون الدستوري، وأعلن الإمبراطور أنه هو قانون