للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل السادس

[فسبازيان]

لشد ما يغتبط الإنسان بعد ما قرأه عن الأباطرة السابقين أن يرى رجلاً متصفاً بالحكمة والكفاية والشرف! لقد كان فسبازيان، وهذه الأحداث قائمة، يخوض غمار الحرب في بلاد اليهود، ولذلك لم يتعجل في القدوم إلى رومة ليشغل المنصب العالي المحفوف بأشد الأخطار الذي رفعه إليهِ جنوده وبادر مجلس الشيوخ إلى الاعتراف به. فلما وصل إليها في أكتوبر عام ٧٠ أخذ يعمل بجد على إعادة النظام إلى المجتمع الذي اضطرب في كل ناحية من نواحيهِ، وسرى جده هذا إلى نفوس أعوانه. ولما أدرك أن لا بد له أن يعاني نفس المشاق التي عاناها أغسطس، سار على سيرة ذلك الزعيم وسلك مسلكه في أخلاقه وسياسته، فسالم مجلس الشيوخ، وأعاد الحكم الدستوري إلى البلاد، وأطلق سراح من حكم عليهم من قبل بمقتضى قانون الخيانة في عهد نيرون وجلبا وأتو وفيتليوس، واستدعى من كان منهم منفياً خارج البلاد. ثم أعاد تنظيم الجيش وزاد عدد الحرس البريتوري ووسع سلطة رجاله، وعين قواداً كفاة لقمع الثورات التي شبت نارها في الولايات، واستطاع بعد قليل أن يغلق هيكل يانوس Janus رمزاً لعودة السلام وعهداً منه بالمحافظة عليهِ.

وكان قد بلغ الستين من العمر، ولكنه كان محتفظاً ببنيته القوية التي لم يوهنها الإفراط. وكان مفتول العضلات، قوى الأخلاق، ذا رأس عريض أصلع ضخم، وملامح غليظة ولكنها مهيبة، وعينين صغيرتين حادتين تخترقان المظاهر الخداعة إلى الحقائق المستورة. ولم يكن يتصف بشيء من شذوذ العباقرة، ولا يزيد على كونه رجلاً قوي الإرادة شديد