للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتصنيفها، وربطها بعضها ببعض، ثم "بعملية صحيحة من "الاستبعاد والنبذ" أي التخلص من فرضية بعد أخرى، على التعاقب، حتى يمكن الكشف عن "الصيغة" أو القانون الضمني وجوهر الظاهرة (٤٦). إن معرفة "الصيغة" سوف يهيئ تحكماً متزايداً في الحدث، فيعيد العلم بالتدريج صنع البيئة، بل من المحتمل صنع الإنسان نفسه.

وأحس بيكون بأن هذا هو الهدف النهائي-أي أن منهج العلم سوف يطبق على التحليل البالغ الدقة للشخصية الإنسانية، والتصميم على إعادة تشكيلها. وبحث بيكون على دراسة الغرائز والعواطف، وهذه وتلك وثيقة الصلة بالذهن، قدر صلة الرياح بالبحر (٤٧). ولكن هنا بصفة خاصة، لا يكون الخطأ في مجرد التماس المعرفة، بل في نقلها، ويمكن إعادة صنع الإنسان عن طريق التعليم المستنير، لو أننا كنا نريد أن تجذب إلى ميدان التربية عقولاً من الطراز الأول بمنحهم الرواتب الكافية وتكريمهم (٤٨). ويبدي بيكون إعجابه بالجزويت، وتمنى لو أنهم "كانوا على مذهبنا وفي صفنا (٤٩) "، ويستنكر الملخصات، ويحبذ التمثيل في الكليات، ويدعو إلى مزيد من العلم في البرامج، فإذا نظرنا إلى العلم والتعليم على هذا الأساس، فإنهما (كما جاء في "قارة أطلنطس الجديدة" لن يكونا من خدم الحكومة وإدارتها. بل مرشدها وهدفها؛ ويختم قاضي القضاة الأمين بقوله "إني أراهن بكل شيء في سبيل نصرة الفن على الطبيعة في سباقها".

[٥ - فلسفة رجل الدولة]

هنا نحس بعقل جبار قوي-رجل واحد على مدى قرن، متمكن من الفلسفة ومن السياسة على حد سواء. وقد يشوقنا أن نقف على تفكير الفيلسوف في السياسة، وتفكير السياسي في الفلسفة.

وعلى الرغم من أنه كان لبيكون منهج في الفلسفة، وأنه ترك عرضاً حسن الترتيب لفكره، باستثناء المنطق، فإن اتجاه أفكاره كان واضحاً، ولو أنها اتخذت شكلاً يدل على رجل كان لزاماً عليه كثيراً أن يخرج عن هدوء الفلسفة لينظر في قضية