وحمدت له روما حسن إدارته الداخلية ونجاحه رغم تردده في سياسته الخارجية، ولامته لوماً خفيفاً على مغامرات حبه، ولوماً عنيفاً على سعيه لتوفير الثراء لأبناءه، وحقدت عليه لتعيينه في مناصب الدولة بروما حشداً كبيراً من الأسبان كان منظرهم الأجنبي ولغتهم الأجنبية مثاراً لغضب الإيطاليين. وكان عدد ضخم من الأسبانيين من أقارب البابا قد هرعوا إلى روما "حتى لم تعد مائة بابوية تكفي ذلك الحشد من أبناء الأعمام"؛ كما يقول شاهد عيان (٢٧). وكان الإسكندر وقتئذ قد أصبح إيطالياً كاملاً في ثقافته، وسياسته، وأساليبه ولكنه لا يزال يحب أسبانيا، ويتحدث بالإسبانية أكثر مما يجب مع سيزاري ولكريدسيا، ورفع إلى مقام الكردنالية تسعة عشر أسبانياً، وأحاط نفسه بخدم ومساعدين قطلانيين، حتى لقبه الإيطاليون الحاسدون آخر الأمر "البابا الهجين"(٢٨) يشيرون بذلك إلى انحداره من يهود أسبانيين اعتنقوا المسيحية. ورد الإسكندر على هذا بقوله إن كثيرين من الإيطاليين، وبخاصة في مجمع الكرادلة، قد غدروا به، وإنه لا بد أن يجمع حوله طائفة من الأنصار يرتبطون معهم برباط الولاء الشخصي القائم على علمهم بأنه هو حاميهم الأوحد في روا.
وكان هو، وأمراء أوربا حتى زمن نابليون، يقولون هذا القول عينه ليبرروا ترقية أقاربهم إلى مناصب الثقة والسلطان. وقد ظل البابا (١)
(١) أنظر ما يقوله كريتون Creighton: " لم يكن الحلفاء ممن يوثق بهم في الظروف السياسية الإيطالية المزعزعة إلا إذا اعتمد إخلاصهم على بواعث المنفعة الخاصة لهم. ولهذا فإن الإسكندر السادس اتخذ صلات الزواج في أسرته وسيلة يحيط بها نفسه بحزب سياسي قوي. ولم يكن يثق بأحد غير أبنائه يتخذهم أدوات لتنفيذ خططه" من كتاب م. كريتن M. Creighton " تاريخ البابوية في عهد الإصلاح الديني" الجزء الثالث ٢٦٣. وهذا الأسقف الأنجليكاني لا يضارعه في نزاهته وغزارة علمه في هذا الميدان إلا أمانة لدفج فن باستون Ludwig von Paston وعلمه الواسع في كتابه "تاريخ البابوات" وكان وجود هذين التاريخين العظيمين خليقاً أن يمحو من زمن يعيد غيوم الأقاصيص الخرافية التي نشرها الكتاب المتحزبون حول بابوات النهضة.