للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هل عائشون في عصر مستنير؟ فالجواب لا"، إنما نحن نعيش في "عصر التنوير" "ثم حيا فردريك باعتباره عنوان حركة التنوير الألماني وحاميها، والملك الوحيد الذي قال لرعاياه "فكروا كما تشاءون" (٣٧).

ولعله كتب هذا الكلام مؤملاً أن خليفة فردريك سيلزم سياسة التسامح. ولكن فردريك وليم الثاني (١٧٨٦ - ٩٧) كان أكثر اهتماماً بقوة الدولة منه بحرية العقل. فلما أعدت طبعة ثانية من "نقد العقل الخالص" (١٧٨٧) عدل كانت بعض فقراته، وحاول التخفيف من حدة هرطقاته بمقدمة طابعها الاعتذار. قال "وجدت من الضروري أن أنفي المعرفة (بالأشياء في ذواتها) لأفسح مجالاً للإيمان … فالنقد وجده يستطيع أن يقطع جذور المادية والقدرية والكفر والإلحان والتعصب والخرافة" (٣٨). وكان محقاً في هذا الحذر. ففي ٩ يوليو ١٧٨٨ أصدر يوهان كرستيان فون فولنر، وزير الإدارة اللوثرية "مرسوماً دينياً" رفض التسامح الديني صراحة باعتباره مسئولاً عن التحلل الخلقي، وهدد بالطرد من منابر الكنائس أو كراسي الجامعات كل الوعاظ أو المدرسين المنحرفين عن المسيحية التقليدية. في هذا الجو الرجعي نشر كانت "نقده" الثاني.

[٣ - نقد العقل العملي]

١٧٨٨

وما دام كتاب "النقد" الأول زعم أن العقل الخالص لا يستطيع أن يثبت حرية الإرادة، وما دامت الأخلاقية-في رأي كانت-تحتاج إلى هذه الحرية، فإن عمليات العقل بدت وقد تركت الأخلاقية، كاللاهوت، دون أساس عقلي. بل أسوأ من هذا أن حركة التنوير قوضت الأساس الديني للأخلاق بالتشكيك في وجود إله مثيب معاقب. فأنى للحضارة أن تبقى حية إذا انهارت عمد الأخلاقية التقليدية هذه؟ وأحس كانت أنه هو نفسه، بوصفه تلميذاً صريحاً للتنوير، ملتزم أخلاقياً بالعثور على أساس عقلي ما لناموس أخلاقي. وعليه ففي مقال تمهيدي عنوانه "المبادئ الأساسية لميتافيزيقا الأخلاق" (١٧٨٥) رفض محاولة أحرار الفكر إقامة الأخلاقية على