للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأخيرة قامت وتعثرت من كرسيها إلى سريرها. وحاول يوزف أن يريحها فقال "إن جلالتك في سيئ". فأجابت "نعم، ولكنه وضع مناسب للموت فيه". وماتت في ٢٩ نوفمبر ١٧٨٠.

[٥ - المستبد المستنير]

١٧٨٠ - ١٧٩٠

بعد أن حزن يوزف حزناً صادقاً على أم أدرك الآن مبلغ عظمتها، شعر بأنه حر في أن يكون نفسه، وأن يبدأ بتنفيذ أفكاره المتفتحة في الإصلاح. كان الحاكم المطلق للنمسا والمجر وبوهيميا والأراضي الواطئة الجنوبية، وكان أخوه ليوبولد مطيعاً له في تسكانيا، وأخته ماري أنطوانيت معينة له في فرنسا. وأحس إحساساً عميقاً بالفرص التي واتته في قمة حياته وذروة سلطته.

فأي رجل كان يومئذ؟ لقد بلغ الأربعين، ما زال في ربيع الحياة وكان وسيماً جداً حين يغطي رأسه الأصلع بباروكة. وقد وهب عقلاً يقظاً نشطاً نشاط شبه محموم، متمشياً مع جيله، ولكن هدأه شيئاً إلمامه بالتاريخ وخلق البشر. وكان دائم الإحساس بشح الوقت، لذلك لم يخطئ إلا بسبب التسرع والعجلة، وقلما أخطأ عن سوء قصد. وتروي القصص الكثيرة عن رفاهة حسه بخطوب غيره واستعداده لرفع المظالم التي يمكن رفعها (٥٥). وقد أباح للشعب الالتقاء به على قدر ما سمحت به واجباته. وكان يعيش عيشة البساطة ويرتدي من الثياب ما يرتديه أي جندي، ويتجنب الظهور في ثياب الملوك الفاخرة. وكان مبرأ كفردريك من مخاللة الخليللات، ولم يكن له "أصدقاء إغريق"، وكان عمله غرامه الذي استغرقه. وكان كفردريك يبذل من الجهد في عمله أكثر مما يبذل أي مساعد له. وكان قد أعد نفسه إعداداً صادقاً أميناً للقيام بتبعاته، فلم يسافر للمتعة والظهور، بل للملاحظة والدراسة وفحص صناعات الكثير من الأقطار وفنونها وبيوتها الخيرية ومستشفياتها ومحاكمها ومؤسساتها البحرية والحربية؛ ونظر بعينيه هو إلى شعوب مملكته وطبقاتها ومشكلاتها. فصحت نيته الآن، على قدر ما وسع رجلاً واحداً،