ولقد ظهر على المسرح وقتذاك ممثل ثالث قام منذ تلك اللحظة بطور كبير واستمر ثلاثين عاماً وذلك في الصراع بين اللاهوت والحكومات. ولسوف يفرض نفسه على سردنا التاريخي في اثني عشر فصلاً أو يزيد.
واستهل الرجل، الذي قُدّر له أن يصبح الإمبراطور شارل الخامس، سيرته بميراث ملكي وإن يكن مدنساً، فجده من جهة أبيه الإمبراطور ماكسمليان وجدته ماري البورغندية ابنة شارل الجسور، وجده من جهة أمه فرديناند وجدته إليزابلا، أما أبوه فهو فيلب المجيل ملك قشتالة الذي ارتقى العرش في السادسة والعشري ومات وهو في الثامنة والعشرين من عمره، وأمه هي جوانا لالوكا التي جنت عندما بلغ شارل السادسة، وعاشت حتى بلغ الخامسة والخمسين من عمره. ولقد ولد في غنت (٢٤ فبراير سنة ١٥٠٠) ونشأ في بروكسل وظل فلمنكي اللسان والطبع إلى أن اعتزل الحكم نهائياً في إسبانيا. ولم تغفر له هذا إسبانيا ولا ألمانيا ولكنه بمرور الوقت تعلم الحديث بالالمانية والأسبانية والإيطالية والفرنسية، وكان يستطيع أن يلتزم الصمت في اللغات الخمس. وحاول أدريان الأوترختي أن يعلمه الفلسفة ولكنه لم يصب نجاحاً يذكر، وتلقى على يدي هذا الأسقف الصالح تأديباً صارماً، يتفق مع عقيدة المستمسكين بأهداب الدين، وربما تشرب مع ذلك في منتصف العمر نزعة شك خفية من مستشاريه ورجال بلاطه الفلمنكيين الذين شاع بينهم قدر يكتنفه الرضا من عدم المبالاة بالعقيدة على طريقة أرازموس.
ولكم شكا بعض القساوسة من اطلاق حرية الرأي الديني بين حاشية شارل (٦١). واعتصم بالتقوى ولكنه عكف على دراسة فن الحرب. وقرأ كومينيس وتعلم في مرحلة الطفولة حيل الدبلوماسية وعدم تمسك الدول بالأخلاق.
وعند وفاة أبيه (١٥٠٦) ورث ألفراندرز وهولندة وكونتيه فرانش وادعاء الحق في حكم برغنديا. ولما بلغ الخامسة عشرة من عمره نهض