كان سويفت يكبر ستيل وأديسون بخمس سنين. ولكنه عمر بعد أحدهما ست عشرة سنة، وبعد الآخر ستاً وعشرين. وكان بمثابة شعلة متأججة سرت من قرن إلى قرن، من دريدن إلى بوب. ولم يستطع قط أن يغتفر مولده في دبلن الذي كان عائقاً مثيراً للغضب في إنجلترا. وكم كان قاسياً عليه أن يقضي أبوه نحبه قبل ولادته، وكان الوالد قهرمان قصر الملك في دبلن. وعهد بالطفل إلى مرضعة حملته منها إلى انجلترا، ولم تعد به إلى أمه إلا عندما بلغ الثالثة من العمر، وربما ولدت هذه المغامرات والمخاطر في نفس الصبي شيئاً من قلق اليتيم. ولابد أن هذا الشعور ازداد عمقاً في نفسه، بانتقاله إلى عم له. سرعان ما تخلص منه، وهو في السادسة بإلحاقه بمدرسة داخلية في كلكني. وفي سن الخامسة عشرة التحق بترنتي كولدج في دبلن، حيث ظل بها سبع سنين. وشق طريقه في الكلية بصعوبة لأنه كان مهملاً في اللاهوت بصفة خاصة. وكثيراً ما قصر وعوقب، وذاق مرارة الفقر والحرمان عندما تعثر حظ عمه الذي تولى الإنفاق عليه، وأصيب بانهيار عصبي (١٦٨٨). وعند موت عمه ١٦٨٩، وفي غمرة ثورة إيرلندة لنصرة جيمس الثاني، هرب جوناثان إلى إنجلترا، وإلى أمه التي كانت تعيش في ليستر على عشرين جنيهاً في العام. وعلى الرغم من طول الفراق بينهما، انسجما معاً إلى حد معقول، وتعلم كيف يحبها، وزارها من حين إلى حين، حتى وفاتها (١٧١٠).
وفي أواخر عام ١٦٨٩ وجد سويفت عملاً براتب قدره عشرون جنيهاً في العام مع الإقامة والطعام، سكرتيراً لسير وليم تمبل في موربارك. وكان تمبل حينذاك في أوج عظمته، صديقاً ومستشاراً للملوك. ويجدر بنا ألا نقسو في لومه لإخفاقه في التعرف على العبقرية في الشاب ذي الاثنين والعشرين ربيعاً الذي جاءه ببعض اللاتينية واليونانية، وببعض اللهجة الإيرلندية مع جهل ماكر باستخدام الشوكة والملعقة وعلاقة الواحدة منهما بالأخرى