وكانت هذه المبارزة في الخطابة من الموضوعات التي يمجدها ويعنى بدراستها كل جيل من الأجيال اللاحقة، ولكنها في واقع الأمر تمثل الدرك الأسفل من الانحطاط الذي هوت إليه السياسة الأثينية. ولسنا نرى شيئاً من النبل أو الكرامة في هذا التنابذ بالشتائم، وهذا الكفاح الحقير لنيل الثناء من الجماهير، بين رجلين كان كلاهما يتلقى الذهب الأجنبي في الخفاء. أما إسقراط فكان أكثر منهما جاذبية إلى حد ما وينتقل فيه إلى القرن الرابع بعض عظمة القرن الخامس. ولد إسقراط في عام ٤٣٦، وعاش حتى عام ٣٣٨، ومات حين ماتت الحرية اليونانية. وكان أبوه قد جمع ثروة كبيرة بصنع آلات الناي الموسيقية، وأتاح لابنه جميع الفرص التعليمية، ولم يبخل عليه بإرساله لدراسة البلاغة على غورغياس في تساليا. وقضت حرب البلوبونيز وخطة ألقبيادس على صناعة الناي وذهبتا بثروة الأسرة؛ فاضطر إسقراط إلى كسب قوته بعرق قلمه. فبدأ بكتابة الخطب لغيره، وفكر في أن يكون هو خطيباً، ولكنه كان خجولاً، ضعيف الصوت، شديد البغض لسفالة الحياة السياسية؛ وكان يمقت أشد المقت الزعماء المهرجين الذين سيطروا على الجمعية، وانزوى وقتاً ما في حياة التعليم الهادئة.
فافتتح في عام ٣٩١ أعظم مدارس البلاغة نجاحاً في أثينة، وهرع الطلاب إليها من جميع أنحاء العالم اليوناني؛ ولعل اختلاف أصولهم ونظراتهم إلى الحياة قد ساعد على تكوين فلسفته الهلينية الجامعة. وكان يظن أن مَن عداه من المدرسين يسيرون كلهم في غير الطريق السوي. وقد ندد في نشرة له ضد السوفسطائيين بالذين يرفعون كل أخرق مأفون إلى فيلسوف نظير دريهمات