لم تقبل سيدات المجتمع على القواعد الكلاسيكية-قواعد العقل، والاعتدال، وضبط النفس-إقبال كورنبي العجوز وراسين الشاب. ذلك أن عالمهن كان عالم الوجدان والرومانس، وقد حفزت "زيجات المصلحة" التي كن يعقدن أوهام الغرام أكثر مما صدتها. ومن ثم نرى الرواية الرومانسية تنمو-جنباً إلى جنب مع الدراما الكلاسيكية- حتى تتضخم حجماً وتلقى استحساناً واسعاً وتؤثر تأثيراً دولياً. ولم تكن سيدات المجتمع في فرنسا ليشبعن من هذه الروايات، ولكن يجدنها مفرطة في الطول، وآية ذلك أنه حين توقف "جوتييه دلا كالبرونيد" عن المضي في روايته "كليوبطرة" بعد أن كتب فيها عشرة أجزاء (١٦٥٦)، رفضت خطيبته أن تتزوجه إلا إذا ختمها بجزأين آخرين (٥٦).
وقد استرقت الآنسة مادلين دسكوديري قلوب نصف فرنسا بوايتها "آرتامين أو كورش الكبير"(١٦٤٩ - ٥٣)، و"كليلي"(١٦٥٤ - ٦٠) ولكتاهما في عشرة مجلدات. وأشبع غرور المجتمع الفرنسي أن يجد الشخوص في هذا الإنتاج الرومانسي الغزير، تحت أسماء مستعارة، تصف أعلام العصر وأقطابه المشهورين وتميط اللثام عنهم. وما لبثت سيدات الصالونات وسادته أن أطلقوا على أنفسهم أسماء من هذه الروايات، وتعلموا فنون التنهد والإنكار شأن أبطالهم وبطلاتهم، وأصبحت الآنسة دسكوديري نفسها تسمى "سافو"، وكذلك كانت تنادي في الصالونات إلى نهاية عمرها الذي بلغ أربعة وتسعين عاماً. وقد كتبت لتسر أخاها جورج، ونشرت كتبها تحت اسمه؛ وآثرت أن ترعاه على أن تتزوج. وظل سلطانها على النساء المثقفات والرجال المعطرين إلى أن غيرت مسرحيتا موليير "المتحذلقات المضحكات" و"النساء العالمات" من اتجاه الأذواق العالمية، وهنا حبست مادلين في شجاعة آخر مجلد من مجلداتها التسعين عن النشر. والذين يشكون