سبيل خلاص نفسه. وقال في اعترافه إنه تلميذ لليسوعيين، ولكنه أبى أن يورطهم بأكثر من هذا في مغامرته. وقد رويت عن اليسوعي الأسباني خوان داريانا (الذي سنلتقي به ثانية) عبارات وافق فيها على اغتيال الملوك الفاسدين، لا سيما هنري الثالث، وتبين أن اليسوعي الفرنسي جان جينار كتب يقول إنه كان من الواجب قتل هنري الرابع في مذبحة القديس برتلميو، وإنه يجب التخلص منه الآن «بأي ثمن وبأية طريقة (١٩)». وفي بواكير عام ١٥٩٥ أمر برلمان باريس اليسوعيين بالرحيل عن فرنسا بناء على التماس من الاكليروس العلماني في السوربون.
[٤ - الملك الخلاق]
١٥٩٤ - ١٦٠٠
تبين هنري أن مهمة التعمير أشق من قهر القوة المسلحة. ذلك أن اثنين وثلاثين عاماً من «الحروب» الدينية خلفت في فرنسا من الخراب والفوضى ما خلفته حرب المائة عام في القرن السابق. فبحرية فرنسا التجارية كادت تختفي من البحار، وقد بلغ عدد البيوت التي دمرت ثلاثمائة ألف، وأعلن الحقد تعطيله للفضيلة، وسمم فرنسا بشهوة الانتقام. وأغار الجنود المسرحون على الطرق والقرى سرقة وتقتيلاً وتآمر النبلاء ليفرضوا استرداد سيادتهم الاقطاعية ثمناً لولائهم للملك، وكانت الأقاليم التي طال تركها معتمدة على مواردها تقسم فرنسا إلى دويلات مستقلة ذاتياً، وكان الهيجونوت يطالبون بالاستقلال السياسي والحرية الدينية، والحلف لا يزال يحتفظ بجيش في الميدان؛ واشترى هنري قائده مايين بالمال فارتضى الهدنة ثم الصلح في النهاية (يناير ١٥٩٦). وبعد أن وقعت الشروط، اصطحب هنري الدوق البدين في مسيرة طويلة جعلته يلهث إعياء، ثم أكد له أن هذا هو انتقامه الوحيد منه (٢٠). ولما تزعم أحد قواده المدعو شارل جونتو، دوق بيرون، مؤامرة ضده، عرض عليه هنري العفو إذا اعترف، ولكنه أبى، فأمر بمحاكمته، وأدين بالجريمة وقطع رأسه