يعمل إلى النهاية وعندما مات (٦ أبريل سنة ١٥٢٨) بالغاً من العمر سبعة وخمسين عاما ترك من الرسوم والصور المحفورة في الخشب والنقوش إلى جانب ٦٠٠٠ فلورين - ما يكفي لإعالة عائلته في يسر كئيب، وذلك فيما تبقى لها من العمر. وها هو بير كهايمر يقول في رثائه:"خير صديق لي في حياتي" وكتب نقشاً تذكارياً متواضعاً على القبر: "ما كان فانياً من ألبرخت ديرر يرقد تحت هذه الربوة".
ولقد افتقد ديرر الغاية السامية باعتباره فناناً، ذلك لنه ضحى بمهمة الفن العظمى في سبيل مهمة أقل وزنا .. كان يفتتن برؤية الأشكال العابرة للأشخاص والأماكن والأشياء، وهي تدب فيها الحياة تحت يديه إلى حد جعله يستغرق بصفة أساسية في تصوير الواقع - سواء أكان جميلاً أم قبيحاً، له معنى أو لا معنى له - ولم يكن يمزج إلا عرضاً العناصر المتناثرة للإدراك الحسي لتكتفل في خيال خلاق، ثم تعود مجسمة في خط أو لون وجمال مثالي، يكشف لنا عن أهداف يسعى إلى تحقيقها أو يكشف عن رؤى تيسر الفهم أو تحقق الهدؤ، ولكنه ارتفع إلى مستوى نداء عصره فحفر في الخشب أو نقش على النحاس سيرة ذاتية لجيله المترصد المنتج وأن ريشته أو قلمه الرصاص ومنقاشه أو فرشاته استدعت الأرواح الخفية للرجال المقتدرين الذين وطأوا بأقدامهم مسرح ذلك العصر.
ولقد جعل تلك الحقبة من الزمن تعيش لنا أربعة قرون بكل ما فيها من حماسة وولاء وخوف ووهم، واحتجاج وحلم وورع … كان ألمانيا.
[٦ - علماء الإنسانيات الألمان]
كانت ألمانيا بلداً فتياً في الآداب مثلما كانت في الحياة والفن … وانتشر تعلم القراءة والكتابة، وصدرت الكتب متدفقة من ستة عشر ناشرا