انتقلت التجارة ورؤوس الأموال من بلاد اليونان القارية وأخذت تبحث لها عن ملاجئ جديدة في جزائر بحر إيجة، وذلك لأنها خشيت عنف الانقسامات الحزبية، ولأن حركات السكان اجتذبتها إلى تلك الجزائر. فازدهرت ديلوس في القرن الثاني، وقد كانت من قبل موفورة الثراء بسبب وجود هيكل أبلو بها؛ وأضحت ثغراً حراً تحت حماية رومة وإن كانت أثينة هي التي تصرف شؤونها. وازدحمت الجزيرة الصغيرة بالتجار الأجانب، وبمكاتب رجال الأعمال وبالقصور، والأكواخ، والهياكل المختلفة التي أقيمت للآلهة الأجنبية.
وبلغت رودس غاية مجدها في القرن الثالث، وأضحت بإجماع الآراء أجمل مدائن هلاس وأعظمها حضارة. وقد وصف استرايون الثغر الكبير بأنه "يفوق سائر الثغور في مرافئه، وطرقه، وأسواره، وما أدخل عليه من الإصلاحات، حتى لأعجز عن القول بأن مدينة أخرى تضارعه أو تكاد تضارعه (٤٠) ".
وكانت رودس ذات موقع طيب في ملتقى الطرق التجارية التي تخترق البحر الأبيض المتوسط، يمكنها من أن تفيد من التجارة الآخذة في الانتشار والتي يسرت سبلها فتوح الإسكندر، بين أوربا، ومصر، وآسية، ومن أجل هذا حلت مرافئ رودس الرحبة محل مرافئ صور وبيرية، وأضحت المرافئ التي يعاد منها شحن البضائع، كما أضحت مكان المقاصة التجارية والمالية والعاملة على تنظيمها في شرق البحر. وكان لتجارها سمعة حسنة في الأمانة، ولمصارفها وحكومتها شهرة طيبة في الاستقرار، وسط عالم كله خيانة وتقلقل. وأفادت