لقد كانت القصائد اليابانية أشد إيجازاً من أن تصادف إعجاباً عند العقل الغربي، فلنا أن نعزّي أنفسنا بالقصة اليابانية، إذ قد تبلغ روائع القصص عندهم عشرين جزءاً، بل قد تبلغ أحياناً ثلاثين (١٨)، وأرفع هذه القصص مكانة هي قصة "جنجي مونوجاتاري" (ومعناها الحرفي والصحيح هو "ثرثرة تدور حول جنجي")، فهذه القصة في إحدى طبعاتها تملأ أربعة آلاف ومائتين وأربعاً وثلاثين صفحة (١٩)، وألفت هذه القصة الممتعة حوالي سنة ١٠٠١ ميلادية، ألفتها "السيدة موراساكي نوشيكيبو"، وهي من قبيلة فوجبوارا العريقة، وقد تزوجت من رجل من هذه القبيلة عينها، لكنه مات عنها فخلفها أرملة بعد الزواج بأربعة أعوام، فجعلت تُسَرِّي عن نفسها بتأليف قصة تاريخية في أربعة وخمسين جزءاً، وبعد أن استنفذت كل ما كان لديها من ورق، سرقت أوراق "السُّتْرات" البوذية المقدسة من معابدها، واستخدمتها ورقاً لمخطوط قصتها (٢٠)، فحتى الورق كان يوماً ضرباً من الترف.
وبطل القصة ابن لإمبراطور أنجبه من أقرب محظياته إلى نفسه، وهي "اكبريتسوبو"، وهي من روعة الجمال بحيث أثارت الغيرة في صدور سائر المحظيات جميعاً، وجعل هؤلاء يغظنها حتى قضين على حياتها غيظاً، فاقرأ كيف تصف الكاتبة "موراساكي" الإمبراطور بأنه لا يجد في موتها ما يعزيه،