كانت العقيدة الدينية المسيحية في الربا أكبر العقبات في نمو النظام المصرفي وتقدمه. وكان لهذه العقيدة عند المسيحيين ثلاثة مصادر: طعن أرسطو على الربا وقوله إنه عمل غير طبيعي إذ هو توليد المال للمال (٥٧)، وطعن المسيح على الربا (٥٨)، ومعارضة آباء الكنسية للأعمال التجارية وللربا في روما. أما القانون الروماني فقد شرع الربا وكان "رجال شرفاء"(١) أمثال بروتس يتقاضون رباً فاحشاً على أوالهم. وكان أمبروز Ambrouse قد عارض النظرية القائلة إن من حق الإنسان أن يفعل بماله ما يشاء إذ قال:
أتقول "إنه ملكي"؟ ألا فقل لي ماذا تملك؟ أي ثروة جئت بها معك حين خرجت من بطن أمك؟ إن ما تأخذه فوق كفايتك إنما تأخذه بالعنف. فهل الله ظالم إذ لم يوزع وسائل العيش بيننا بالتساوي فتنال أنت منها حظاً موفوراً ويبقى غيرك محتاجاً فقيراً؟ أو هل الأصح من هذا أنه أراد أن يحبوك بدلائل حنوه عليك، في الوقت الذي وهب الذي وهب غيرك من الناس فضيلة الصبر؟ وإذن فهل تظن أنت يا من وهبك الله نعمته أنك لا ترتكب الظلم حين تحتفظ لنفسك أنت وحدك بما يمنك أن يكون مصدر الحياة لكثير من الناس؟ إن الذي تقبض عليه بيدك هو خبز الجياع، وإن ما تخزنه هو كساء العرايا، وإن المال الذي تكتنزه لهو الذي ينقذ الفقراء من بؤسهم (٥٩).
(١) يشير المؤلف بهذه العبارة "رجال شرفاء" إلى خطبة ماركس أنطونيوس ووصفه بروتس وكاسيوس وقتلة قيصر بأنهم كلهم "رجال شرفاء" تهكماً منه عليهم واستهزاء بهم. أنظر رواية يوليوس قيصر لشكسبير. المترجم