للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الثالث

[التدهور الاقتصادي]

لقد عجلت الفوضى السياسية تدهور إمبراطورية الإقتصادي، كما عجلت التدهور الاقتصادي انحلال البلاد السياسي، فكان كلاهما سبباً للآخر ونتيجة له. وكان سبب الضعف الاقتصادي أن ساسة الرومان لم يقيموا قط في إيطاليا حياة اقتصادية سليمة، ولعل سهول شبه الجزيرة الضيقة لم تكن في يوم من الأيام أساساً قوياً تبنى عليه آمال الدولة الإيطاليّة العالية. وكان يقلل من إنتاج الحبوب منافسة الحبوب الرخيصة الواردة من صقلية، وأفريقية، ومصر، كما أن الكروم العظيمة أخذت تفقد أسواقها التي استولت عليها كروم الأقاليم. وشرع الفلاحون يشكون من أن الضرائب الفادحة تستنفذ مكاسبهم المزعزعة ولا تترك لهم من المال ما يحفظون به قنوات الري والصرف صالحة، فانطمرت القنوات، وانتشرت المستنقعات، وأنهكت الملاريا سكان كمبانيا وروما. ويضاف إلى هذا أن مساحات واسعة من الأرض الخصبة قد حولت من الزراعة إلى مساكن للأثرياء أصحاب الضياع الواسعة، وكان أصحاب هذه الضياع البعيدون عنها يستغلون العمال والأرض إلى أقصى حدود الاستغلال، ويبررون عملهم هذا بمشروعاتهم الإنسانية في المُدن. وازدهرت العمائر الفخمة والألعاب الرياضية في المدائن في الوقت الذي أقفر فيه الريف، ومن أجل ذلك هجر كثيرون من ملاك الأراضي وعمال الريف الأحرار المزارع إلى المُدن وتركوا الجزء الأكبر من الأراضي الزراعية الإيطاليّة ضياعاً واسعة يقوم بالعمل فيها أرقاء كسالى مهملون. ولكن هذه الضياع نفسها قضت عليها السلم الرومانية ونقص عدد حروب الفتح في القرنين الأول والثاني، وما نشأ عن ذلك من قلة الإنتاج، وارتفاع النفقات، وكثرة الأرقاء.