ولكننا سرنا شوطاً أبعد مما يجب. فحين فتحت مدام درامبوييه صالونها كان قد مضى على موت مونتيني ستة وعشرون عاماً. فلنرجع في مسيرتنا ونستمع ساعة إلى أعظم كاتب ومفكر فرنسي في هذا الجيل.
[٣ - ميشيل دي مونتيني]
١٥٣٣ - ١٥٩٣
أ- تعليمه
وصف جوزف سكا: ليجر مونتيني بأنه بائع رنجة. ولكن هذا العالم الكبير قفز جيلاً ذلك أن الجد، وأسمه جريمون إيكيم، هو الذي كان يصدر الأنبذة والأسماك المجففة من بوردو. وقد وردت هذه التجارة من جد ميشيل الأكبر ريمون إيكيم، الذي جمع المال للأسرة بهذه الطريقة، ثم اشترى (١٤٤٧) القصر والضيعة المعروفين باسم مونتيني على تل خارج المدينة. ووسع جريمون ميراثه بزواج حكيم. أما ابنه بيير غيكيم فقد فضل الحرب على الرنجة، وانخرط في الجيش الفرنسي، وقاتل في إيطاليا مع فرنسيس الأول، وعاد بندوب وبآثار من النهضة، وارتقى إلى منصب عمدة بوردو. وفي عام ١٥٢٨ تزوج انطوانيت، أبنة تاجر غني من تولوز يهودي المولد، مسيحي العماد، إسباني الثقافة. وولد ميشيل إبكيم، الذي أصبح السيد الإقطاعي على مونتيني، لبيير وانطوانيت، وقد اختلط في رأسه الدم الغسقوني واليهودي. ثم زاد أفقه اتساعاً أن أباه كان كاثوليكيا تقياً، وأمه على الأرجح بروتستنتية، وأخته وأخاه كالفنيين.
وكان لبيير آراء في التعليم يقول عنه ميشيل "إن هذا الأب الطيب أرسلني حتى وأنا بعد في المهد لأنشأ في قرية فقيرة يمتلكها، وأبقاني فيها طوال الرضاع وبعده بقليل، لأتربى أفقر وأبسط تربية شائعة (٢٠) ". وبينما كان الصبي في الحضانة عين له تابع ألماني لم يكلمه بغير اللاتينية. "ناهزت السادسة وأنا لا أفهم من الفرنسية أكثر مما أفهم من العربية (٢١) ".