لا يستطيع المواطن الساذج إلا أن يعتقد أن سبب كل الحروب هو على الدوام سبب شخصي - بل شخص واحد في العادة، كما لا تستطيع النفس الساذجة إلا أن تصور إلهها في صورة إنسان. وحتى أرسطوفان نفسه قد فعل ما فعله الثرثارون النمّامون من رجال عصره فادعى أن بركليز هو الذي أوقد نار الحرب البلوبونيزية بهجومه على ميغارا لأن ميغارا أساءت إلى إسبانيا (٣). والراجح أن بركليز الذي لم يتردد في الاستيلاء على إيجينا، كان يأمل أن تستحوذ أثينة على التجارة اليونانية بأجمعها، وذلك بسيطرتها على ميغارا وعلى كورنثة أيضاً؛ ولقد كان مركز كورنثة بالنسبة لبلاد اليونان كمركز اسطنبول في شرق البحر الأبيض المتوسط في وقتنا الحاضر - كانت باباً ومفتاحاً لتجارة نصف قارة. لكن سبب الحرب الجوهري هو نمو الإمبراطورية الأثينية، وازدياد سيطرة أثينة على الحياة التجارية والسياسية في بحر إيجة. لقد كانت أثينة تترك التجارة حرة في هذا البحر وقت السلم، لكنهما لم تكن تفعل ذلك إلا إذا أجازته هي وسمحت به مصالحها الإمبراطورية؛ ولم يكن في مقدور أية سفينة أن تمخر عباب هذا البحر إلا برضائها. وكان رجال أثينيون موكلون منها يحددون مستقر كل سفينة تغادر ثغور الحبوب في البلاد الشمالية؛ ولما أن كان الجدب يهلك ميثوني Methone لم تستطع أن تستورد القليل من الحبوب إلا بعد استئذان أثينة (٤). وكانت تلك المدينة تدافع عن هذه السيطرة لأنها تراها أمراً حيوياً لا بد منه لبقائها، فقد كانت تعتمد في طعامها على ما تستورده من خارج بلادها، وقد أجمعت أمرها على أن تحرس الطرق التي يصل منها هذا