قد أظهروا تفوقهم في قتال الأعداء لكي ينالوا حريتهم؛ وكان الغرض الحقيقي من هذه الدعوة هو اختبارهم، لأن أول من يتقدمون للمطالبة بحريتهم كانوا في رأي الداعين أعزهم نفساً وأكثرهم استعداداً للعصيان. واختير بهذه الطريقة ألفان منهم وضعت على رؤوسهم التيجان، وطافوا بالهياكل مغتبطين بحريتهم الجديدة ولكن الإسبارطيين ما لبثوا أن تخلصوا منهم جميعاً، ولم يعرف أحد قط كيف هلك كل فرد من أفرادهم (٤٦).
وكان الجيش عماد السلطة في إسبارطة ومناط فخرها، لأنها وجدت في شجاعته، ونظامه، ومهارته، أمنها ومثلها الأعلى. وكان كل مواطن يدرب تدريباً حربياً، وكان عرضة لأن يُدعى إلى الخدمة العسكرية فيما بين العشرين والستين من عمره. وبفضل هذا التدريب القاسي نشأت الهبليت hoplites الإسبارطية، وهي فرق المشاة المتراصة الثقيلة قاذفات الحراب، والمكونة من المواطنين، التي كانت تقذف الرعب في قلوب الأثينيين أنفسهم، ولم يكد يقهرها عدو حتى انتصر عليها إباميننداس Epaminondas في لكترا Leuctra. وكان هذا الجيش هو المحور الذي صاغت إسبارطة حوله قانونها الأخلاقي. فالطيبة في إسبارطة هي أن تكون قوياً شجاعاً؛ والموت في ميدان القتال هو أعظم الشرف ومنتهى السعادة؛ والحياة بعد الهزيمة هي العار الذي لا يمحى والذي لا تغتفره الأم نفسها لابنها الجندي. وكانت الأم تودع ابنها الجندي الذاهب إلى حومة الوغى بقولها:"عد بدرعك أو محمولاً عليه". وكان الفرار بالدرع الثقيل أمراً مستحيلاً.
[٥ - القانون الإسبارطي]
إن تدريب الناس على مثل أعلى متعب للجسم، وخاصة إذا كان كالذي يدرب عليه الإسبارطيون، يحتم أخذهم من أيام مولدهم وتعويدهم أشد النظم