بلاط هنري الثامن نفسه، ألف قسيسه الخاص توماس ستاركي (١٥٣٧) "حواراً" كانت الفكرة الأساسية فيه أن القوانين يجب أن تفرض إرادة الملك، وأن الملوك يجب أن يخضعوا للانتخاب والعزل.
لا يمكن أن يطول حكم هذه البلاد حكماً صالحاً،
أو الاحتفاظ فيها بسياسة حكيمة، طالما أنها تحكم بإرادة
فرد لم يتم اختياره بطريق الانتخاب، بل أنى إلى العرش بالتعاقب
الطبيعي. فقلما شهدنا أن الذين يأتون إلى العرش أو الممالك
عن طريق هذا التعاقب، كانوا جديرين بتولي هذه المناصب
السامية والسلطات العالية .... وأي شيء أبغض إلى الطبيعة من
أن تحكم أمة بأسرها وفق إرادة أمير؟؟ وأي شيء أكثر تنافياً
مع العقل من أن شعباً برمته يحكمه من يعوزه العقل عموماً؟؟ ..
وليس ثمة إنسان يستطيع أن يخلق أميراً حكيماً عاقلاً ممن ينقصه
الذكاء والحصافة بالطبيعة … ولكن في مقدور الإنسان أن
ينتخب ويختار من يتوفر فيه العقل والعدالة معاً، فينصبه
أميراً، ومن ثم يخلع الطاغية المستبد (٢٤).
وكان موضع العجب والغرابة أن يموت ستاركي موتاً طبيعياً بعد عام واحد من كتابه "حواره" الذي لم يطبع إلا بعد ٣٣٤ سنة من تدوينه.
[٣ - الأخلاق]
كيف كان سلوك الناس في العالم المسيحي اللاتيني؟ إنه لجدير بنا ألا يضللنا جهرهم بالإيمان بالدين، حيث لم يكن ذلك في الغالب إلا ولعاً بالشقاق والمشاكسة، أكثر منه ورعاً وتقوى. فإن نفس الشخص العنيد الذي يستطيع أن يتشدد في إيمانه يستطيع أن يكون عنيفاً كذلك في تجديفه، وإن البنات اللائى ينحنين متظاهرات بالرزانة والاحتشام أمام تماثيل العذراء،