للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الفصل الثالث

[بليساريوس]

في وسعنا أن نغتفر لجستنيان شغفه العظيم بالوحدة، لأن هذا الشغف من أعظم ما يولع به الفلاسفة ورجال الحكم على السواء؛ ولقد اقتضاهم في بعض الأحيان أكثر مما اقتضتهم الحرب. ولم تكن استعادة أفريقية من الوندال، وإيطاليا من القوط الشرقيين، وأسبانيا من القوط الغربيين، وغالة من الفرنجة، وبريطانيا من السكسون؛ ولم يكن طرد البرارة إلى مرابضهم، وإعادة الحضارة الرومانية إلى جميع ميادينها القديمة، ونشر الشريعة الرومانية مرة أخرى في جميع بقاع الرجل الأبيض من الفرات إلى سور هدريان، لم تكن هذه المطامع كلها مطامع غير نبيلة، وإن كانت قد أنهكت المنقذين ومن أريد إنقاذهم على السواْء. وكان من الوسائل التي اتبعها جستنيان لبلوغ هذا الغرض أن أزال ما بين الكنيستين الشرقية والغربية من نزاع حول مسألة البابوية، وكان من أكبر أمانيه أن يرد الأريوسيين واليعاقبة وغيرهما من الخارجين على الدين إلى حظيرته، ولم يكن أحد قد فكر في هذا كله منذ أيام قسطنطين.

ولقد كان من حسن حظ جستنيان أن وهب قادة عظماء، ومن سوء حظه أنه كانت موارده المالية قليلة - فلقد كان شعبه غير راغب في الحروب التي كان يريد أن يخوض غمارها، وغير قادر على أداء ما تطلبه من نفقات. وسرعان ما استنفذ الثلاثمائة والعشرين ألف رطل من الذهب التي تركها أسلاف جستين في خزانة الدولة، واضطر بعد استنفادها أن يلجأ إلى الضرائب التي نفرت من قلوب الشعب، وإلى ضروب الاقتصاد التي عرقلت أعمال قواده. وكانت الخدمة العسكرية الإجبارية العامة قد امتنعت قبل عهده بنحو مائة عام، وأصبح جيش