كان الرومان في أوج مجدهم الإمبراطوري يقدرون العلوم التطبيقية، ولكنهم كادوا ينسون علوم اليونان البحتة. وإنا لنجد منذ العهد القديم في كتاب التاريخ الطبيعي تأليف بلنى الأكبر خرافات يظنها الناس من اختراع العصور الوسطى، ولا تكاد تخلو منها صحيفتان من ذلك الكتاب. ولقد تآزرت قلة عناية الرومان والمسيحيين بالعلوم حتى كادت تجدب البلاد منها قبل أن يغزوها البرابرة بزمن طويل وينثرون حطام المجتمع المدمر في سبل انتقال الثقافة. ودفن ما بقي في أوربا من علوم اليونان في مكتبات القسطنطينية، وحتى هذا القليل الباقي امتدت إليه يد التدمير حين نهبت المدينة في عام ١٢٠٤. وهاجرت علوم اليونان في القرن التاسع إلى بلاد المسلمين عن طريق الشام، ونهبت أفكارهم فقامت في بلادهم نهضة ثقافية من أعظم النهضات وأكثرها إثارة للدهشة في التاريخ كله، وذلك في الوقت الذي كانت فيه أوربا المسيحية تجاهد للخروج من ظلمات الخرافات والهمجية.
وكان لابد للعلوم والفلسفة في العصور الوسطى أن ينمو غرسهما في جو من