لقد كانت العمارة القوطية أجل ما تكشفت عنه النفس البشرية في العصور الوسطى. ذلك أن أولئك الرجال، الذين أقدموا على تعليق هذه القباب على مشاءات قليلة من الحجارة، وقد درسوا عملهم، وعبروا عنه بإحكام أكثر مما فعله في برجه العاجي أي فيلسوف من فلاسفة العصور الوسطى، وقد أثمرت هذه الدراسة ما لم تثمره دراسة أولئك الفلاسفة، وان خطوط كنيسة نتردام وأجزائها المتناسقة لتؤلف قصيدة أعظم من الملهاة الإلهية. هذا وليس في وسعنا أن نعقد موازنة عامة بين العمارتين القوطية واليونانية- الرومانية القديمة، لأن هذه الموازنة تحتاج إلى كثير من التخصص. ولسنا ننكر أنه ما من مدينة واحدة في أوربا العصور الوسطى قد أخرجت من العمائر ما أخرجته أثينة أو روما، وأنه ليس من الأضرحة القوطية ضريح حوى من الجمال الصافي ما حواه البارثنون، ولكنا لا نعرف في العمائر اليونانية- الرومانية القديمة ما يضارع العظمة المعقدة التي نراها في واجهة كاتدرائية نتردام أو الوحي الذي ينزل على النفس فيسمو بها حين تشهد قبة كتدرائية أمين، وإن ما يتمثل في الطراز القوطي من تقيد واطمئنان ليعبر عن تعقل واعتدال كانت تدعو بلاد اليونان إليها أهلها ذوي العاطفة القوية الجائشة، وإن النشوة الخيالية التي في الطراز القوطي الفرنسي، والضخامة القائمة التي تمتاز بها كاتدرائية برجوس وطليطلة، واللتين ترمزان من غير قصد إلى ما في روح العصور الوسطى من شوق وحنان، وإلى ما في العقيدة الدينية من رهبة، وإيمان بالأساطير والعقائد الخفية. لقد كانت العمارة والفلسفة