للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٤ - يوربديز الطريد]

إن الرجل الذي نصوره من مسرحياته هذا التصوير ليشبه تمثاله الجالس في متحف اللوفر، وتماثيله النصفية في نابلي، شبهاً يحملنا على الاعتقاد بأن هذه التماثيل منقولة نقلاً أميناً عن أصول يونانية حقيقية. فوجهه الملتحي وسيم، ولكنه أضناه التفكير، ورققه الحزن الحنون. ويتفق أصدقاؤه وأعداؤه على أنه كان مكتئب الطبع يكاد أن يكون نكداً، لا يميل إلى المرح أو الضحك، وأنه قضى سنيه الأخيرة في عزلة في أرض الجزيرة التي ولد فيها. وكان له ثلاثة أبناء ذكور كانت طفولتهم سبباً فيما استمتع به من سعادة قليلة (١١٨). وكان يجد سلواه في الكتب، ومبلغ علمنا أنه كان أول مواطن فرد في بلاد اليونان جمع لنفسه مكتبة كبيرة (١). وكان له أصدقاء أخيار، منهم بروتاغوراس ومنهم سقراط؛ ولم يكن ثانيهم يهتم بالمسرحيات ولكنه كان يقول إنه لا يتردد في أن يسير إلى ببريه مشياً على قدميه ليشهد مسرحية من مسرحيات يوربديز، وذلك لعمري قول خطير لصدوره من فيلسوف كبير. وكان الجيل الناشئ ممن تحررت عقولهم، من أسر التقاليد يعدونه زعيماً لهم، ولكنه كان له من الأعداء أكثر مما كان لأي كاتب آخر في تاريخ اليونان. وقد اقتصر القضاة الذين كانوا فيما نظن يرون


(١) لقد كان في بلاد اليونان على الدوام دور كتب تقتنيها الدولة أو الملوك كما رأينا في خلال هذه القصة؛ ويمكن تتبع هذه المجموعات في مصر إلى أيام الأسرة الرابعة. وكانت المكتبة اليونانية تتألف من ملفات مرتبة في عيون صوان. وكان نشر الكتاب عندهم يعني أن مؤلفه أجاز نسخ مخطوطة ونشر النسخ المنقولة عنه. فإذا حدث هذا جاز بعد ذلك كتابة عدة نسخ من المخطوط من غير حاجة إلى إذن المؤلف أو الحصول منه على "حق النشر". وكانت النسخ المنقولة من المؤلفات المنقولة من المؤلفات الشعبية المتداولة كثيرة العدد ولم تكن كثيرة التكاليف. ويحدثنا أفلاطون في الأبولوجيا أن رسالة أنكساغوراس في الطبيعة يمكن شراؤها بدرخمة واحدة (أي ريال أمريكي)، وقد أصبحت أثينة في عصر بركليز مركز تجارة الكتب في بلاد اليونان.