واحد منهم هو دافد كاد يذبح رئيس دير برغيف جاف قديم لأنه جاء إلى دمنيكو ومساعديه في مرسمه بطعام رآه دافد غير لائق بعبقرية أخيه. وكان جرلندايو يفتح مرسمه لكل من يعني بالعمل أو الدرس فيه، واتخذ منه مدرسة للفن حقة. وكان يقبل جميع ما يكلف به من الأعمال الفنية كبيرة كانت أو صغيرة، ويقول فذ ذلك إنه يجب ألا يحرم أحداً من رغبته، وقد ترك العناية بشئون بيته وبماله إلى دافد، وقال إنه لا يكفيه إلا أن يملأ بالصور جميع جدران فلرونس. وقد أخرج كثيراً من الصور التي لا ترق إلى ما فوق الدرجة الوسطى، ولكنه أخرج أحياناً بعض الصور الرائعة التي تأسر القلوب وتخلب الألباب، كصورة الجد ذي الأنف البصلي وهي الصورة الخلابة المحفوظة في متحف اللوفر، والصورة الأخرى الجميلة صورة المرأة إحدى صور مجموعة مورجان في نيويورك، وهما صورتان تكشفان عن الصفات الخلقية التي ترتسم عاماً بعد عام على وجه الإنسان. غير أن عظماء النقاد الذين يضعهم علمهم وتضعهم سمعتهم فوق الشبهات لا ينزلونه إلا منزلة دنيا (٣٠)، وفي الحق أنه برع في الخطوط لا في الألوان، وأنه كان يسرع في التصوير أكثر مما يجب، وأنه زحم صوره بالتفاصيل التي لا علاقة لها بتلك الصور، ولعله خطا خطوة إلى الوراء في تفضيل الذهان الزلالي بعد أن قاوم بلدوفنتي بتجاربه في الرسم بالزيت. غير أنه مع هذا سما بما تجمع من أصول فنه إلى الذروة التي استطاع أن يصل إليها في بلده وفي القرن الذي يعيش فيه، وترك لفلورنس وللعالم كنوزاً يحنى النقاد هاماتهم من أجلها شكراً له واعترافاً بفضله.
[٢ - بتيتشيلي]
ولم يعل عليه في عبقريته من أهل فلورنس في جيله إلا رجل واحد، ذلك هو سندرو بتيتشيلي Sandro Botticelli الذي كان يختلف عن جرلندايو كما يختلف الخيال الأثيري عن الحقائق المجسدة. وقد عجز مريانا فلبيي