للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الرّابع

[أبليز]

إن الذي بلغ فيه القرن الرابع إلى الذروة لم يكن الأدب بل الفلسفة والفن؛ ذلك أن الفرد قد تحرر فيه، كما تحرر في السياسة، من المعبد ومن الدولة، ومن التقاليد ومن المدرسة. فلما أن حل الولاء الفردي محل الإخلاص الوطني، نزل فن العمارة إلى الدرجة الوسطى، وازداد طابعه الدنيوي شيئاً فشيئاً، واضمحل شأن تمثيليات الموسيقى والرقص وحل محلها تمثيل يقوم به أفراد محترفون، وظل التصوير والنحت يزينان المباني العامة بصور طرز من الآلهة أو النبلاء، ولكنهما في الوقت ذاته دخلا في خدمة الأفراد الأحياء وشرعا يصورانهم حتى أصبح هذا طابع العصر الذي أعقب ذلك القرن. وإذا كانت بعض المدن قد ظلت تناصر الفن مناصرة قوية واسعة النطاق، فما ذلك إلا لأنها كانت كمدائن نيدس، وهليكرنسس، وإفسوس لم تجتاحها الحرب اجتياحاً تاماً، أو كسراقوصة قد وجدت في مواردها الطبيعية ونظام حكمها وسائل الانتعاش العاجل.

وأما فن العمارة في أرض اليونان الأصلية فقد كان في ذلك الوقت واقفاً يترقب لا يتقدم ولا يتأخر وإن كانت قد شُيدت فيه بعض العمائر. من ذلك أن ليقورغ جدد في عام ٣٣٨ بناء ملهى ديونيشيوس، وساحة الألعاب، واللوقيون؛ وشاد فيلون بإشرافه دار صنعة كبيرة رائعة في بيرية. ولما أن ازداد ميل الناس إلى الرقة والدقة في البناء فقد الطراز الدوري جدته وانصرف الناس عنه، لأن بساطته الصارمة لم تعد تستجيب لها النفس، وارتفع شأن الطراز الأيوني وازداد انتشاراً، وكان هذا في الفن يقابل ظرف بركستليز في النحت وسحر أفلاطون في الأدب. وأنشئ على الطراز الكورنثي "برج الرياح"