تحكمه. لقد قدم لنا صورة عامة كأوسع ما يكون، صورة عامة لم تنشأ كميكانيكية جامدة (كتركيب جامد لا حياة فيه) وإنما مفعمة بحيوية لا حد لها، وامتداد لا نهاية له، وإبداع ملازم للحياة.
لقد كانت طاقة همبولدت وحيويته مثيرة، فما كاد يستقر في برلين حتى قبل دعوة من القيصر نيكولاس الأول Czar Nicholas I ليرأس بعثة كشفية علمية في آسيا الوسطى (١٨٢٩) فقضى نصف عام يجمع بيانات عن الأرصاد الجوية ويدرس تكوين الجبال وفي الطريق اكتشف مناجم ألماس في الأورال Urals، وعندما عاد إلى برلين استفاد من منصبه في البلاط ليحسن النظام التعليمي ولتقديم العون للعلماء والفنانين. وبينما كان يكتب المجلد الخامس من كتابه عن (الكون Kosmos) أتاه الموت وهو في التسعين من عمره، فشيعته بروسيا في جنازة رسمية.
[٧ - الفن]
لم يكن هذا العصر في ألمانيا مواتياً لعلم أو فن، فالحرب إما دائرة بالفعل وإما على وشك، فاستنزفت ثروات البلاد وحماسها، وكان قيام أفراد (من النبلاء أو الأثرياء) برعاية الفنون، أمراً نادرا، وإن حدث، فإنه يكون غير ثابت. وكانت متاحف ليبزج وشتوتجارت وفرانكفورت، ودريسدن وبرلين تعرض الأعمال الفنية الخالدة (والمدينتان الأخيرتان على نحو خاص) لكن نابليون نقلها إلى اللوفر Louvre.
ومع هذا فقد أنتج الفن الألماني بعض الأعمال الجديرة بالذكر وسط هذا الاضطراب العظيم، وبينما كانت باريس ترقص مع حالة عدم تكوّن (حالة لم تتضح فيها الأمور تماما) رفعت برلين بنيان بوابة براندنبورج Brandenburg شامخة. لقد صممها كارل جوتهارد لانجهانز Karl Gotthard Langhans (١٧٣٢ - ١٨٠٨) على الطراز الدوري الإغريقي بأعمدة ذوات قنوات (جمع قناة أي نحت في العمود من أعلى إلى أسفل يبدو وكأنه قنوات) وأقام على هذه البوابة قوصرة (مثلث في أعلاها) كما لو كان يعلن بهذه القوصرة موت طراز الباروك والروكوكو، لكن هذا البنيان بشكله الراسخ كان يعلن بشكل أساسي