لقد أطلنا الكلام فيه أكثر مما يجب؛ ولكننا مع ذلك لم نفرغ منه بعد، فقد كان عالماً طبيعياً أيضاً. ذلك انه أخذ يسلي نفسه في السنين الخصيبة الواقعة بين اعتزاله شؤون الحكم وموته بالتفكير في المسائل الطبيعية كالبحث عن تفسير للمطر، والبرد، والرياح، والمذنبات، وأقواس قوس قزح والزلازل، والأنهار، والينابيع، وقد أشار في مسرحية ميديا Medea إلى الوجود قارة أخرى على الجانب الآخر من المحيط الأطلنطي (٦٠). وبنفس هذه اللقانة الطبيعية كتب وهو يتأمل ملايين النجوم في السماء:"كم من كرات تتحرك في أعماق الفضاء لم تصل بعد إلى عيون بني الإنسان"(٦١). ثم يضيف إلى هذا وكأنه قد كشف عن بصره الغطاء:"كم من أشياء سيتعلمه أبناؤنا ولا نستطيع الآن أن نتصورها في خيالنا! -وكم من أشياء أخرى ستظل مجهولة مئات السنين بعد أن تنسى أسماؤنا! … ويدهش أبناؤنا من جهلنا"(٦٢)، ولقد صدق في قوله هذا، فنحن يدهشنا جهله. ذلك أن سنكا رغم بلاغته لا يضيف شيئاً إلى ما قاله أرسطاطاليس وأراتس Aratus، وهو يستعير الشيء الكثير من بوسيدونيوس Poseidonius. ويؤمن بأن في مقدور الإنسان أن يتنبأ بالغيب بالرغم من معارضة شيشرون لهذه العقيدة، ويتورط في بيان العلل النهائية للمعلولات مخالفاً بذلك عقيدة لكريشيوس، وكثيراً ما يقطع أقواله العلمية بما يضيفه فيها من وصايا أخلاقية، فهو بنتقل بحذق عظيم من الكلام على بلح البحر إلى الكلام في الترف، ومن المذنبات إلى أسباب الانحطاط. وكان آباء الكنيسة يحبون هذا الخلط بين الأجرام السمأوية والأخلاق، ولذلك جعلوا كتاب