وكان يعلم الناس بالبساطة التي تتطلبها حال مستمعيه، ويمزج هذه التعاليم بالقصص الطريفة التي تجعل دروسه تنفذ إلى الأذهان، وبالحكم والأمثال القوية بدل الحجج العقلية، وبالاستعارات، والمجازات التي لا تقل روعة عن أمثالها في أي أدب من آداب العالم. وكانت طريقة القصص الرمزي التي يلجأ إليها مألوفة في بلاد الشرق، وقد أخذ بعض تشبيهاته الرائعة، ولعله أخذها دون علم منه، عن أنبياء بني إسرائيل، وكتاب المزامير وأحبار اليهود (٦٤). وبيد أن وضوح خطبه واتجاهها إلى هدفها مباشرة، وروعة خياله وقوته، وإخلاصه العظيم، قد رفعت أقواله إلى مستوى الشعر الملهم. ولسنا ننكر الغموض يكتنف بعض أقواله، وأن بعضها يبدو لأول وهلة مما يجافى مع العدالة (٦٥)، وأن منها ما يشتمل على السخرية اللاذعة والحقد المرير، ولكنها كلها تقريباً نماذج في الإيجاز والوضوح والقوة.
وكانت بداية تعاليمه هي إنجيل يوحنا المعمدان، وهذا الإنجيل نفسه يرجع إلى دانيال وأخنوخ، إذ ليس في التاريخ طفرات. ومن أقواله أن ملكوت الله قد حان أجلها، وأن الله سيقضي عما قريب على عهد الشر والخبائث، وأن إبن الإنسان سيأتي "على سحب السماء" ليحاسب جميع البشر الأحياء منهم والأموات (٦٦). ومن أقواله إن الوقت الذي يجب أن يتوب فيه الإنسان من ذنوبه يمر مسرعاً، فأما مَن تاب وأناب، وسلك سبيل العدالة، وأحب الله وآمن برسوله، فإنه يرث ملكوت السموات، ويسمو إلى القوة والمجد في عالم قد تحرر آخر الأمر من جميع الشرور والآلام والموت.