إذا ما دخلنا أجمل البحار كلها وتركنا من خلفنا المحيط الأطلنطي ومضيق جبل طارق، انتقلنا من فورنا إلى حلبة التاريخ اليوناني. ويقول أفلاطون عن بني وطنه الذين استقروا في هذا الميدان:"لقد نزلنا في شواطئ هذا البحر كما تنزل الضفادع حول بركة الماء". على هذه الشواطئ النائية، أنشأ اليونان قبل ميلاد المسيح بقرون كثيرة، مستعمرات مزعزعة غير وطيدة الأساس يحيط بها البرابرة من جميع الجهات: في همرسكوييوم Hemeroscopium وأمبورياس Ampurias في اسبانيا، ومرسيليا ونيس في فرنسا، وفي كل مكان تقريباً بإيطاليا وصقلية. وأنشأ المستعمرون اليونان مدناً زاهرة في قوريني Cyrene بشمال أفريقيا وفي نقراطس بدال النيل؛ وبعثت مغامراتهم النشيطة الحركة والحياة في جزائر بحر إيجة وشواطئ آسيا الصغرى في ذلك الوقت البعيد، كما تبعثهما فيها هذه الأيام؛ وشادوا مدناً كبيرة وصغيرة لتكون محاطاً لتجارتهم الواسعة على شواطئ الدردنيل وبحر مرمرة والبحر الأسود، ولم تكن أرض اليونان الأصلية إلا جزءاً صغيراً من العالم اليوناني القديم.
ترى لماذا نشأت مجموعة الحضارات الثانية على شواطئ البحر الأبيض كما نشأت المجموعة الأولى قبل ذلك على ضفاف الأنهار في مصر وأرض الجزيرة