وحدث حوالي عام ١٠٨٠ أن غادرت أسر أرمنية كثيرة بلادها لعدم رضائها عن سيطرة السلاجقة عليها، وعبرت جبال طوروس، وأنشأت مملكة أرمينية الصغرى في قليقية. وبينما كان الأتراك، والكرد، والمغول، يحكمون أرمينية الحقيقية، احتفظت الدولة باستقلالها مدى ثلاثة قرون. واستطاع ليو الثاني Leo II في حكمه الذي دام أربعة وثلاثين عاماً (١١٨٥ - ١٢١٩) أن يصد هجمات سلاطين حلب ودمشق، ويستولي على إسوريا Isauria وينشئ عاصمة مملكته في سيس Sis (وهي الآن في تركيا)، ويعقد حلفاً مع الصليبيين، ويدخل الشرائع الأوربية في بلاده، ويشجع الصناعة، والزراعة، ويمنح تجار البندقية وجنوى عدداً من الامتيازات، ويقيم الملاجئ للأيتام، والمستشفيات للمرضى، والمدارس لطلاب العلم. واستمتع رعاياه في أيامه برخاء منقطع النظير، وكسب بحق اسم ليو الأفخم، وكان من أعظم ملوك العصور الوسطى حكمة وأكثرهم خيراً وصلاحاً. ووجد صهره هثوم الأول Hethumi (١٢٢٦ - ١٢٧٠) المسيحيين غير أهل لأن يعتمد عليهم، فتحالف مع المغول، وسره أن يطردوا السلاجقة من أرمينية (١٢٤٠). فلما أن اعتنق المغول الإسلام حاربوا أرمينية الصغرى ودمروها تدميراً (١٣٠٣ وما بعدها). وفتح المماليك المصريون أرمينية في عام ١٣٣٥، وقسمت البلاد بعد الفتح بين سادة الإقطاع. وظل الأرمن من خلال هذا الاضطراب يبدون ضروباً من المهارة الفنية في العمارة، وحذقاً عظيماَ في النقش الدقيق، يستمسكون بنوع من الكثلكة المستقلة عن سائر المذاهب، استطاعوا به أن يصدروا كل المحاولات التي بذلتها القسطنطينية أو روما للسيطرة على بلادهم.