لقد كان أهم الحوادث في تاريخ العلوم اليونانية في عصر بركليز نهضة الطب القائم على العقل لا على الخرافة. ذلك أن الطب اليوناني قبل ذلك الوقت حتى في القرن الخامس نفسه كان وثيق الارتباط بالدين إلى حد كبير، وكان كهنة هيكل أسكلبيوس Asclepius لا يزالون يقومون بعلاج المرضى. وكان العلاج في هذا الهيكل يقوم على خليط من الأدوية التجريبية، والطقوس المؤثرة الرهيبة، والرقى السحرية التي تؤثر في خيال المريض وتطلقه من عقاله، وليس ببعيد أنهم كانوا يلجأون أيضاً إلى التنويم المغناطيسي وإلى بعض المخدرات (٤٢). وكان الطب الدنيوي ينافس الطب الديني ويحاول أن يتغلب عليه. وكان أنصار هذا وذاك يعزون منشأ علمهم إلى أسكلبيوس، ولكن الأسكلبيسيين غير الدينيين كانوا يرفضون الاستعانة بالدين في عملهم، ولا يدعون أنهم يعالجون المرضى بالمعجزات، وقد أفلحوا شيئاً فشيئاً في إقامة الطب على قواعد العقل.
وتطور الطب الدنيوي في بلاد اليونان أثناء القرن الخامس في أربع مدارس كبرى: في كوس ونيدس من مدن آسية الصغرى، وفي كرتونا بإيطاليا، وفي صقلية. وفي أكرجاس اقتسم أنبادوقليس- وهو نصف فيلسوف ونصف رجل معجزات- مفاخر الطب مع أكرون Acron الطبيب المفكر المنطقي (٤٣). وقد وصلت إلينا أنباء مدونة ترجع إلى عام ٥٢٠ عن طبيب يدعى دِمُسِديز Democedes ولد في كرتونا، ومارس مهنة الطب في إيجينا، وساموس، وسوسة، وعالج دارا والملكة أتسا Atossa، ثم عاد ليقضي آخر أيامه في مسقط رأسه (٤٤). وفي كرتونا أيضاً خرجت المدرسة الفيثاغورية أوسع أطباء اليونان شهرةً قبل أبقراط،