استندت قوة الكنيسة الكاثوليكية على إيمان بالخوارق ركب في فطرة البشر، والتسليم بالدوافع الحسية والمخلفات الوثنية والتسامي بها، وتشجيع الخصوبة الكاثوليكية، وغرس لاهوت غني بالشعر والأمل، نافع للتهذيب الخلقي والنظام الاجتماعي. كذلك كانت الكنيسة في إيطاليا لمصدر الرئيسي للدخل القومي، ورادعاً معترفاً بقيمته لشعب يؤمن إيماناً شديداً بالخرافات، وثني النزعة مشبوب العطفة. وقد كثرت الخرافات بين الإيطاليين، فحتى (١٧٨٧) أحرقت الساحرات في بلرمو-وقدمت المرطبات للنبيلات العصريات اللاتي حضرن هذا المشهد (١٤). وعاشت المعتقدات والعادات والمراسم الوثنية في ظل موافقة الكنيسة عليها عن طيب خاطر. كتب جوته يقول "لقد انتهيت إلى اعتقاد القاطع بأن كل آثار المسيحية الأصلية قد انقرضت هنا في روما (١٥) ". على انه بقي في العالم المسيحي الكثير من المسيحيين الحقيقيين، حتى في إيطاليا. ومن هؤلاء الكونت كايسوتي دي كيوزانو، أسقف أستي، الذي نزل عن ميراثه الكبير، وعاش في فقر اختياري، وكان لا يسافر إلا راجلاً. كذلك كان تستا أسقف مونريالي ينام على القش، ولا يأكل إلا ما يمسك رمقه ولا يحتفظ من دخله إلا بثلاثة آلاف ليرة لحاجاته الشخصية، ويخصص ما بقي منه للأشغال العامة وللفقراء (١٦).
واستجابت الكنيسة لحركة التنوير إلى حد ما. وبالطبع أدرجت أعمال فولتير وروسو وديدرو وهلفتيوس ودولباخ ولا متري وغيرهم من أحرار الفكر في قائمة الكتب المحرمة، ولكن أبيح الحصول على إذن بقراءتها من البابا. وكان المونسنيور فنتمليو أسقف قطنيا (١٧٥٧ - ٧٣) يقتني في مكتبته طبعات كاملة من فولتير وهلفتيوس وروسو (١٧). وألغيت محكمة التفتيش في تسكانيا وبارما عام ١٧٦٩، وفي صقلية عام ١٧٨٢، وفي روما عام ١٨٠٩. وفي ١٧٨٣ نشر قسيس كاثوليكي يدعى تابعورني، تحت اسم صديقه تراوتما نسدورف، مقالاً "في التسامح الكنسي والمدني"