للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قصاص يدعى آدم ده رس Adam de Ros في قصيدة طويلة طواف القديس بولس في النار يقوده الملاك ميخائيل؛ وينطق ميخائيل بوصف مراتب العقاب التي توقع على درجات الذنوب المختلفة، ويظهر بولس وهو يرتجف من هذه الأهوال كما يرتجف منها دانتي (٤١). وتحدث قبل هذا يواقين الفلوري Jaockin of Flora عن هبوطه إلى الجحيم وصعوده إلى السماء. وجملة القول أنه قد وجدت مئات من هذه الرؤى والقصص؛ وأمام هذا الحشد الكبير من الأوصاف المروعة نرى أنه لم يكن دانتي بحاجة إلى أن يتخطى الحواجز اللغوية إلى الآداب الإسلامية لكي يجد فيها نماذج لوصف الجحيم. ولقد فعل دانتي ما يفعله كل فنان فمزج ما لديه من مادة وبدل فوضاها نظاماً، ووضعها فوق النار بعد أن أضاف إليها خياله القوي وإخلاصه الملتهب. ولقد أخذ عناصر وصفه أنى وجدها- من تومس، ومن شعراء الفروسية الغزلين، ومن مواعظ بطرس دميان النارية وما ورد فيها من وصف لعذاب الجحيم، ومن تفكيره الطويل في بياتريس في حياتها وبعد موتها، ومن صراعه مع السياسيين والبابوات، ومن العلوم القليلة التي اعترضت طريقه؛ ومن اللاهوت المسيحي وما ورد فيها عن سقوط آدم، وعن التجسد والخطيئة، والغفران، ويوم الحساب؛ ومن الفكرة الأفلوطينية- الأوغسطينية عن مدارج صعود الروح حتى تتحد مع الله. ومن توكيد تومس أن الرؤى الطوباوية هي الهدف الأخير الذي يغتبط به الأبرار؛ من هذا كله صاغ القصيدة التي وجدت فيها روح العصور الوسطى وما يحيط بها من رعب، وأمل، واغتراب صوتاً، ورمزاً، وصورة تعبر بها وتصورها.

[٢ - الجحيم]

"وجدت نفسي وأنا في منتصف طريق حياتنا في غابة مظلمة كانت الجادة فيها غير واضحة ومفقودة" (٤٢). وبينما كان دانتي يجول في هذه الظلمة إذ التقى