لو أن زائراً في ذلك الوقت أراد أن يدرس مساكن الطبقة الوسطى من سكان رومة لوجدها بعيدة عن وسط المدينة على جانبي الطرق الرئيسية المتفرعة منه إلى أطرافها. وكانت جدرانها الخارجية المقامة من الآجر والجبس لا تزال تبنى كما كانت تبنى قبل على النمط البسيط المتين الذي تحتمه ضرورات الأمن وحرارة الجو؛ ولم يكن أهل الطبقة الوسطى من الرومان أسخياء بما عندهم من الفن يضيعونه لكي يتمتع به من يمرون بيوتهم. وقلّما كانت البيوت تعلو أكثر من طابقين، وكانت السراديب التي تتخذ لخزن المؤن نادرة، والسقوف تتلألأ عليها قطع القرميد، والنوافذ ذات مصاريع أو ألواح من الزجاج في بعض الأحيان. وكان لمدخل الدار في العادة باب ذو مصراعين يدور كل منهما على عقبين من المعدن، وكانت أرض الدار تصنع من مزيج متماسك من الكلس والحصا والرمل أو من القرميد؛ وكثيراً ما كانت تصنع ن مربعات الفسيفساء، ولم تكن تفرش عليها طنافس. وكانت الحجرات الرئيسية في البيت تجمع حول الردهة الوسطى. وهذا النظام هو الأصل الذي نشأت منه هندسة الأديرة والساحات المربعة المحاطة بالأبنية في مقر المجامع العلمية. وكانت إحدى الحجرات في بيوت الأغنياء من أهل هذه الطبقة تستخدم للاستحمام، وذلك في أحواض شبيهة كل الشبه بما نستخدمه منها الآن. أما الأدوات الصحية فقد بلغت عند الرومان درجة من الرقي لا نظير لها قبل القرن العشرين. فقد كانت أنابيب من الرصاص تحمل الماء من القنوات المائية المبنية ومن الأحواض الرئيسية إلى معظم المباني والمساكن، وكانت الصنابير والمحابس تصنع من البرونز ويشكل بعضها أشكالاً