ترى كيف نستطيع أن نعيد تصوير حياة بلاد اليونان الآخية (١٣٠٠ - ١١٠٠ ق. م) بالاستناد إلى أقاصيصها؟ أن أكثر ما نعتمد عليه من المصادر في رسم هذه الصورة هو أشعار هومر، وهو إنسان قد لا يكون له وجود، وقد قيلت ملاحمه بعد عصر الآخيين بثلاثة قرون على أقل تقدير. نعم إن علم الآثار قد أدهش الأثريين بأن أثبت أن طروادة، وميسيني، وتيرينز، ونوسس وغيرها من المدائن التي وضعتها الإلياذة كلها مدن حقيقية، كما أدهشتهم بالكشف عن حضارة ميسينية تشبه شبهاً عجيباً تلك الحضارة التي تتشكل من تلقاء نفسها بين أشعار هومر؛ ومن أجل هذا ينزع العلماء في هذه الأيام إلى أن يعدوا بعض الأشخاص المهمين الذين ورد ذكرهم في هذه القصص الخلابة أشخاصاً حقيقيين. لكننا مع هذا لا نستطيع أن نقول إلى أي حد تعكس قصائد هومر حال العصر الذي كان يعيش فيه الشاعر لا العصر الذي يكتب عنه. إذن فكل الذي في وسعنا أن نسأل عنه هو: ما هي الصورة التي كانت تتخيلها الرواية اليونانية كما جمعها هومر في أشعاره عن العصر الهومري؟ ومهما تكن هذه الصورة فإنا سنحصل منها على صورة من بلاد اليونان في طور الانتقال الظريف من الثقافة الإيجية إلى حضارة اليونان في العصور التاريخية.
[١ - العمال]
إن الصورة التي تنطبع في أذهاننا عن الآخيين (أي عن اليونان في عصر الأبطال) هي أنهم كانوا أقل حضارة من الميسينيين الذين سبقوهم،