الزمان يفاجئكم بتحقيق أحلامكم ويحول شعركم إلى نثر، أو وهمكم إلى واقع ملموس.
[٣ - الربوبيون]
وكما أضرت الحروب الدينية بالعقيدة الدينية في فرنسا، فإن الحرب الأهلية في إنجلترا أسهمت في إثارة الشكوك اللاهوتية. وأشاعت ذكريات الحكم البيوريتاني الزندقة والمروق عن الدين حتى بات أمراً مألوفاً بين الملكيين المنتصرين، كما جعلت الإلحاد يقترن بالمرح الصاخب والبذاءة في بلاط الملكية العائدة. واشتبه في إلحاد أرل شافتسبري الول ودوق بكنجهام الثاني وأرل روشستر الثاني، كما أشتبه في إلحاد هاليفاكس وبولينيروك بعد ذلك.
وأدى اتساع دائرة المعارف الجغرافية والتاريخية والعلمية وانتشارها إلى ارتفاع موجة التشكك. وفي كل يوم، كان أحد السائحين أو المؤرخين يطلع على الناس بأنباء أمم عظيمة دياناتها وأخلاقها عن المسيحية بشكل مثير فظيع، ولكنها عادة فاضلة مستقيمة مثلها. ويندر أن كانت نزاعة إلى القتل متعطشة إلى سفك الدماء مثل المسيحية. كما بدا أن النظرة الميكانيكية إلى العالم التي رسمها ديكارت التقي الورع، ونيوتن العالم البصير، نقول بدا أن هذه النظرة تصرف النظر عن دور العناية الإلهية" في تسيير الكون، وكان اكتشاف القانون في الطبيعة يجعل من المعجزات أمراً غير مستساغ غير مقبول. وأسهم الانتصار البطيء الذي أحرزه كوبرنيكس، والمحاكمة المثير التي عانى منها جاليليو، في تزعزع الإيمان وتقويض أركانه. بل أن المحاولة الجريئة التي قام بها كثير من رجال اللاهوت المسيحيين لشرح العقيدة على أساس من العقل، أضعفت العقيدة. ويقول أنطوني كولنز: لم يكن ثمة أحد يشك في وجود الله، حتى جاءت "محاضرات بويل" وأخذت على عاتقها إثبات وجوده (٧٣).
إن تفنيد الإلحاد كان شاهداً على انتشاره. وفي ١٦٧٢ كتب سيروليم تمبل "عن أولئك الذين يبدون أنهم أذكياء لأنهم يذكرون أشياء قالها الجاهل في نفسه، كما جاء على لسان داود (٧٤)" وفي نفس العام قال سير تشارلز ولزلي "إن المروق عن الدين كان أمراً واقعاً