للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الرابع

[بداية عصر الفلسفة]

كانت الطريقة التي غزت بها بلاد اليونان رومه أن بعثت إلى عامتها بالدين اليوناني والمسرحيات الهزلية اليونانية، والى الطبقات العليا من أبنائها بالأخلاق وبالفلسفة اليونانية. وائتمرت هذه الهدايا اليونانية مع الثروة الرومانية ومه الإمبراطورية الرومانية على تقويض دعائم دين رومه وأخلاقها، وكان هذا إحدى السبل التي اتبعتها هلاس في انتقامها الطويل المدى من غزاتها. وبلغ هذا الغزو غايته في الفلسفة اليونانية من أبيقورية لكريشيوس الرواقية إلى رواقية سنكا الأبيقورية. وفي الدين المسيحي غلبت فلسفة ما وراء الطبيعة اليونانية الآلهة الإيطالية، ولما نشأت القسطنطينية كانت الغلبة فيها للثقافة اليونانية، فنافست في بادئ الأمر الثقافة الرومانية، ثم حلت في آخر الأمر محلها؛ ولما أن سقطت القسطنطينية عادت الآداب والفلسفة والفنون اليونانية فغزت إيطاليا وأوربا كلها في عصر النهضة. ذلك هو المجرى الرئيسي في تاريخ الحضارة الأوربية، أما ما عداه فتيارات فرعية وروافد جانبية. وفي ذلك يقول شيشرون: "لم يكن منشأ الفيض الذي أقبل من بلاد اليونان إلى مدينتنا مجرى صغيراً بل كان منشؤه نهراً خضماً من الثقافة والعلم (٢٤) "، أصبحت حياة رومه الذهنية والفنية والدينية من بعده جزءاً من العالم المصطبغ بالصبغة الهلينية (١).

ووجد الغزاة اليونان في مدارس رومه وقاعات المحاضرات فيها ثغرة طيبة ينفذون منها إلى رومه، وموقعاً صالحاً يثبتون فيه أقدامهم. فجاء في أعقاب


(١) من أقوال هورامس ذلك القول الذي ملت الأذن سماعه: "أسرت بلاد اليونان المغلوبة غالبها الهمجي".