وترك الآخيون إلى التجار والكتبة من أهل الطبقة الدنيا فن الكتابة الذي تلقوه في أغلب الظن من بلاد اليونان الميسنية، ذلك أنهم كانوا يفضلون الدم عن المداد واللحم عن الطين، ولسنا نجد في أشعار هومر كلها إلا إشارة واحدة للكتابة (٥٨). ونجدها في سياق فذ واضح الدلالة، وهو أن لوحة مطوية تعطى لرسول ويؤمر فيها من سوف يتلقاها بأن يقتل حاملها. وإذا ما وجد الآخيون وقتاً يقضونه في ممارسة الأدب فإن ذلك لم يكن إلا حين يجدون بين الحروب والغارات فترة من الوقت يركنون فيها إلى السلم؛ ووقتئذ يجمع الملك أو الأمير أتباعه حوله، يولم لهم وليمة ويدعو شاعراً أو مغنياً جوالاً ينشدهم على قيثارته شعراً ساذجاً يقص أعمال الأبطال من أسلافهم الأولين. وكان ذلك شعر الآخيين وتاريخهم. ولعل هومر قد أراد كما أراد فيدياس أن ينقش صورته على ملاحمه فأخذ يقص علينا كيف طلب ألسينوس ملك القباشانيين أن يحيي أديسيوس بشيء من هذه الأغاني: "ادع إلينا المنشد الإلهي دمدوكس Demodocus، لأن الله قد اختصه دون غيره بالمهارة في الغناء .... ثم اقترب الرسول يقود المنشد القدير الذي تحبه إلهة الشعر أكثر من سائر الناس، فوهبته من نعمتها وسلطت عليه من نقمتها، فحرمته قوة البصر ولكنها وهبته نعمة الصوت الجميل" (٥٩).
والفن الوحيد الذي يعنى به هومر غير فنه طرق الحديد وتشكيله. فهو لا يذكر شيئاً عن التصوير ولا النحت ولكنه يستجمع كل ما أوتي من إلهام ليصف المناظر المصورة بالجواهر أو المزركشة على ترس أكليز، أو المنقوشة نقشاً بارزاً على دبوس أديسيوس الذي يحلي به صدره. وإذا تحدث عن العمارة كان حديثه قصيراً، ولكنه يلقي على هذا الفن كثيراً من الضوء. ففي وسعنا أن نستدل من حديثه على أن المساكن العادية في