"أشهر ملحد في زماننا (٤٢) ". واتهمه لامبرت فا فلتسون بأنه "يحتال في مكر ودهاء على بث الإلحاد … وتقويض أركان العبادة والديانة من أساسها (٤٣) ". ومن حسن حظ سبينوزا أن جان دي ويت رئيس الدولة كان من المعجبين به. وكان لفوره قد أجرى عليه معاشاً ضئيلاً، وما دام دي ويت حياً متربعاً في دست الحكم، فإن سبينوزا كان في مقدوره أن يعتمد على حمايته له. ولم تدم هذه الحماية لأكثر من عامين فقط.
[٣ - الفيلسوف]
في مايو ١٦٧٠، بعد نشر الرسالة اللاهوتية السياسية بقليل، انتقل سبينوزا إلى لاهاي، ربما ليكون على مقربة من دي ويت وغيره من الأصدقاء ذوي النفوذ. وأقام لمدة عام في بيت "الأرملة فان فيلين"، ثم انتقل إلى دار هندريك فان درسبيك على بافليونجراشت، وفي ١٩٢٧ اشترت لجنة دولية هذا المبنى، واحتفظ به على أنه "مسكن سبينوزا"، وبقي فيه إلى آخر حياته. وشغل منه حجرة واحدة في الطابق الأعلى، ونام على سرير يمكن أثناء النهار أن يطوى إلى حائط (٤٤). ويقول بيل "وفي بعض الأحيان كان يقبع في عقر الدار لا يخطو خارجها لمدة ثلاثة أشهر بأكملها"، وربما أخافته رئتاه المسلولتان من رطوبة الشتاء. ولكن كان زواره كثيرين، ومرة أخرى يقول بيل أنه بين الحين والحين "كان يقصد إلى زيارة نفر من ذوي المكانة والنفوذ … للتحدث معهم في شئون الدولة التي كان يفهمها جيداً (٤٥) ". واستمر يشتغل بصقل العدسات، وأطرى العالم الفيزيائي الرياضي كريستيان هيجينز درجة اتقائها (٤٦). واحتفظ الفيلسوف ببيان عن نفقاته، ومنه نعلم أنه عاش على نحو خمسة وعشرين سنتاً في اليوم، وأصر أصدقاءه على مد يد المعونة له، حيث لا بد أنهم رأوا أن اعتكافه في الدار والغبار الذي ينتج عن صقل العدسات كانا يضاعفان من علته.
وانتهت الحماية التي بسطها دي ويت على سبينوزا حين اغتال بعض الرعاع الآخوين دي ويت في شوارع لاهاي (أغسطس ١٦٧٢). ولما سمع بنبأ اغتيالهما رغب في مغادرة الدار ليعلن إلى هؤلاء الرعاع